جيل الكراهية: كشف عنف وعنصرية اليمين الفرنسي

مقال طويل

جيل الكراهية: كشف عنف وعنصرية اليمين الفرنسي

تحقيق الجزيرة يكشف الاعتداءات العنصرية والحركات النازية التي يمارسها أعضاء جيل الهوية في مدينة ليل الفرنسية.

10 ديسمبر 2018 | 14 دقيقة قراءة


كانت تلك أول نهاية أسبوع في عام 2018 وريمي فاليزه متعطش لقتال.

استخرج عضو في منظمة جيل الهوية اليمينية المتطرفة في الثلاثين من عمره زوجاً من القفازات الجلدية السوداء المعززة بالبلاستيك. وكان هذا الشخص هو الذي قال من قبل في مدينة ليل الشمالية إن أمنيته قبل موته هي قتل مسلمين.

وكان قد أخبر أصدقاءه في فيلم تم تصويره سراً: "هذه هي قفازاتي للملاكمة. نحن لسنا هنا لكي نسمح بالعبث بنا، فنحن في فرنسا بحق الجحيم."

تحقق لفاليز ما كان ينشده من عراك في آخر الليل.

في الواحدة صباحاً تقريباً، خارج حانة أوكورنر في قطاع الحياة الليلية الرئيسي، اقتربت مجموعة من المراهقين من لافيز ورفاقه. طلب أحدهم سيجارة، وفجأة أقدم صديق فاليزه على دفعه، وراح الحارس يرش رذاذ الفلفل الأسود في وجوه المراهقين.

صاحت إحدى الفتيات ضمن المجموعة مناشدة: "أقسم بمكة، لا تضربني."

زاد ذلك من سخط فاليز الذي قال: "أي مكة؟ تباً لمكة."

توجه الرجل الفظ نحوها حتى رغم أنها تأهبت للمغادرة، ثم لكمها في رأسها عدة مرات.

وقال: "فتاة أم غير فتاة، لا أعبأ بذلك البتة. كلهم عرب." ثم سحب نفساً عميقاً من سيجارته وحرك معصمه قائلاً: "لابد أنها شعرت به لأن يدي تؤلمني."

فاليزوأصدقاؤه جزء من جيل الهوية، وهي واحدة من أسرع الحركات اليمينية المتطرفة نمواً في أوروبا ومن أكثرها بروزاً. تأسست المنظمة في فرنسا قبل ستة أعوام، وبات لديها الآن فروع في العديد من البلدان بما في ذلك إيطاليا والنمسا وألمانيا وبريطانيا.

يقدر عدد أعضاء المجموعة على مستوى أوروبا بالآلاف وعدد أتباعها عبر مواقع التواصل الاجتماعي بعشرات الآلاف، وهي تنشط في مجال الدفاع عما تراه هوية وثقافة الأوروبيين البيض وحمايتهما مما تسميه "الإحلال الكبير" بسبب الهجرة والأسلمة.

تقدم نفسها على أنها حركة وطنية وتزعم أنها لا تمارس العنف ولا العنصرية.

ولكن عندما اخترق مراسل متخف تابع للجزيرة فرع جيل الهوية في مدينة ليل وجد العكس تماماً.

جيل الهوية

تظهر مقاطع الفيديو التي صورها مراسلنا سراً على مدى ستة شهور، ابتداءً من شهر سبتمبر / أيلول 2017، أعضاء جيل الهوية وهم ينفذون اعتداءات عنصرية ويعترفون بشن سلسلة من الهجمات على المسلمين.

شوهد نشطاء المجموعة من حين لآخر وهم يؤدون التحية النازية ويهتفون "يحيا هتلر". في تلك الأثناء راح زعماؤها يشرحون كيف تمكنوا من اختراق الجبهة الوطنية (والتي أصبحت الآن التجمع الوطني)، الحزب الفرنسي اليميني المتطرف بزعامة مارين لوبان، التي خسرت انتخابات الرئاسة في عام 2017 لصالح إيمانويل ماكرون.

كانت المجموعة التي تتكون من قوميين بيض قد برزت للمرة الأولى في عام 2012 عندما احتل العشرات من نشطائها مسجداً في بواتيه، غرب فرنسا، لما يزيد عن ست ساعات قبل أن تخليهم قوات الشرطة. بعد أيام من ذلك أصدرت جماعة جيل الهوية "إعلان حرب" ضد التعددية الثقافية وطالبت بإجراء استفتاء وطني على هجرة المسلمين.

Generation Identity says immigration and Islam are the biggest threats to Europe
تقول جماعة جيل الهوية إن الهجرة والإسلام هما أكبر الأخطار التي تهدد أوروبا [الجزيرة]

يقول المحلل الفرنسي روبن دانجيلو إن الجماعة تعتبر فرنسا "ساحة معركتها الرئيسية" في أوروبا، كونها البلد الذي يتواجد فيه أكبر مجتمع مسلم في القارة. يشكل المسلمون عشرة بالمائة من تعداد سكان فرنسا البالغ 67 مليون نسمة. ويقول دانجيلو إن العامل الثاني والأهم هو ارتفاع عدد الهجمات المميتة التي شنها مهاجمون مسلمون في السنوات الأخيرة داخل البلد.

واشتملت تلك الاعتداءات على هجوم مسلح في عام 2015 على مكاتب المجلة الساخرة شارلي إيبدو في العاصمة الفرنسية، والذي خلف ما يقرب من عشرة قتلى، بالإضافة إلى سلسلة من الهجمات المنسقة أواخر ذلك العام في باريس، بما في ذلك على مسرح باتاكلان، الذي قتل فيه ما يزيد عن 130 شخصاً. في السنة التالية، قاد المهاجمون شاحنة وزنها 19 طناً في هجوم على جمهور من الناس كانوا يحتفلون بيوم الباستيل في مدينة نيس الواقعة على ساحل البحر المتوسط، مما أسفر عنه مقتل 86 شخصاً.

إلا أن منظمة جيل الهوية تختلف عن غيرها من الجماعات اليمينية المتطرفة التقليدية كما يقول دانجيلو، وذلك من خلال محاولاتها العلنية النأي بنفسها عن العنف وعن العنصرية السافرة. يقول دانجيلو: "ما استوعبوه هو أن التهميش لن يوصل أفكارهم إلى السلطة، ولن يتيح الفرصة أمام أفكارهم للانتشار، ولذلك فهم يحاولون الحفاظ مظهر نظيف قدر ما وسعهم ذلك."

تتضمن استراتيجية المجموعة للتأثير على النقاش العام تنظيم عمليات مثيرة أمام الجمهور لجذب اهتمام الإعلام وكسب عدد كبير من الأتباع عبر مواقع التواصل الاجتماعي، كما يقول دانجيلو.

تتضمن تلك الحركات رحلة بالقارب في عام 2017 اسمها "الدفاع عن أوروبا" سعوا من خلالها إعاقة سفن إنقاذ اللاجئين في البحر المتوسط. جمعت منظمة جيل الهوية ما يزيد عن خمسين ألف يورو (ما يعادل سبعة وخمسين ألف دولار) في أقل من ثلاثة أسابيع لتمويل تلك الرحلة، والتي فشلت في نهاية المطاف عندما منع قارب المجموعة من التزود بالوقود في اليونان وفي تونس.

وفي شهر إبريل / نيسان حاول ما يزيد عن مائة من نشطاء جيل الهوية إغلاق ممر في جبل مغطى بالثلوج على الحدود الفرنسية الإيطالية يستخدمه المهاجرون. وبعد إقامتهم حاجزاً مؤقتاً هناك، رفعوا يافطة كتب عليها: "لن تحولوا أوروبا إلى وطن لكم. لا سبيل إلى ذلك. عودوا إلى وطنكم."

’نريد السلطة‘

كان أوريليين فيرهاسيل أحد أعضاء جيل الهوية الذين شاركوا في المهمة التي نفذتها المجموعة في جبال الألب. وهو رئيس فرع فلاندرز التابع للمجموعة. في شارع خلفي في وسط مدينة ليل يدير هذا الرجل البالغ من العمر أربعة وثلاثين عاماً حانة لا يسمح إلا للأعضاء بالدخول إليها اسمها "سيتاديل".

في حديث مع مراسل الجزيرة المتخفي، قال فيرهاسيل: "إنها فقط حانة. إنه مجتمع تمارس فيه مجموعة من النشاطات، ويحتوي على ناد للملاكمة ومكتبة وناد سينمائي."

وقال إن العضوية في فرع فلاندرز التابع لجيل الهوية تضاعف تقريباً ثلاثة أضعاف من 300 إلى 800 في سنة واحدة فقط.

داخل "سيتاديل" يقوم فيرهاسيل، ذو الوجه الخشن وشعر الرأس المسحوب إلى الخلف، بإدارة نقاشات مطولة حول السياسة واستضافة أعضاء من جيل الهوية جاءوا من أجزاء أخرى من فرنسا وفي بعض الأوقات الصحفيين أيضاً. في إحدى الجمع من شهر ديسمبر من العام الماضي، طلب فيرهاسيل من الأعضاء التواجد للمشاركة في مقابلة تلفزيونية مع صحفيين جاءوا من كيبيك في كندا.

في لقائه التلفزيوني قدم فيرهاسيل صورة لسياسي ملتزم ومحترف، علماً بأن لديه في سجله مجموعة من الإدانات الجنائية، بما في ذلك حكماً بالسجن لخمسة شهور بسبب اعتدائه على مراهقين اثنين من شمال أفريقيا، وهو حكم تقدم بالاستئناف ضد.

قال للصحفيين الكنديين إن أوروبا تتعرض للغزو وأن هدف جيل الهوية، والتي هي عبارة عن حركة سياسية جادة تدرب القادة الصغار، هو معالجة الهجرة الجماعية للمسلمين.

Remi Falize punched a teenage girl in her head during a racist attack in Lille
رامي فاليز أثناء لكمه لفتاة مراهقة في رأسها أثناء هجوم عنصري في ليل. [الجزيرة]

وأضاف إن الحل الرئيسي من وجهة نظر جيل الهوية يكمن في مفهوم يسمى "إعادة الهجرة" – وهو برنامج يهدف إلى إعادة العائلات غير الأوروبية إلي أوطانها الأصلية. وفي ذلك يقول: "بالنسبة لنا، بإمكان غير الأوروبيين، الإسلاميين، العودة إلى أوطانهم بكل وسيلة متاحة، بالقارب، بالطائرة بسفينة فضائية. بإمكانهم العودة إلى أوطانهم كيفما أرادوا."

يقع مفهوم إعادة الهجرة في الصميم من رؤية جيل الهوية لمستقبل فرنسا، وقد ورد تفصيله في وثيقة السياسة التي نشرتها المجموعة أثناء الحملة الانتخابية في عام 2017. في حديثه مع أعضاء حانة "سيتاديل" في شهر أكتوبر / تشرين الأول من العام الماضي، قال جان دافيد كاتين، زعيم جيل الهوية الدي كان مكلفاً باتصالات الجماعة عندما استهدف نشطاؤها عمليات إنقاذ اللاجئين في البحر المتوسط، إن بإمكان فرنسا أن تجبر المستعمرات السابقة على استعادة المهاجرين وذلك من خلال ربط المساعدات التنموية بعودة المقيمين والمهاجرين غير الأوروبيين.

وقال مخاطباً جمعاً من النشطاء المتشككين: "نحو فرنسا، لدينا أسلحة نووية، ونعطيهم مئات الملاين على شكل مساعدات تنموية. يمكن أن نقول لهم سامعوا، نتمنى أن نساعدكم مالياً، ولكن عليكم أولاً استعادة جماعتكم."

وصف ماثياس ديستال، وهو صفحي ما فتئ يحقق في اليمين الفرنسي المتطرف منذ سنين، مفهوم "إعادة الهجرة" بالهذيان وشبهه بالتطهير العرقي.

وقال: "يعني ذلك إبعاد الآلاف المؤلفة من البشر إلى بلدان يفترض فيها أنها بلدانهم الأصلية لمجرد أن أسلافهم ربما عاشوا فيها أو لأن لون جلدهم أو ثقافتهم تنسب إلى بلدان غير فرنسا ... وذلك في الحقيقة أشبه ما يكون بالتطهير العرقي."

يعتقد فيرهاسيل أن استراتيجية نقل المفهوم إلى التيار العام يهدف إلى حماية صورة المجموعة في وسائل الإعلام.

وقال في حديثه مع مراسلنا المتخفي إن جيل الهوية في ليل يرفض الاندماج في حركة الرؤوس الصلعاء أو أي من هذه الأصناف المنبوذة اجتماعياً، وأن الجماعة طردت من صفوفها آخرين خشيت من أن يضروا بصورة جيل الهوية. وقال فيرهاسيل إن الصورة التي يرغب في تكريسها مفادها "من اللطيف أن يكون المرء فاشياً."

Aurelien Verhassel,one of the GI leaders who took part in the Alpine mission
أوريليين فيرهاسيل، أحد زعماء جيل الهوية وممن شاركوا في مهمة جبال الألب [الجزيرة]

كان فيرهاسيل قلقاً بشكل خاص إزاء الناس الذين قد ينشرون صوراً لأنفسهم في مواقع التواصل الاجتماعي وهم يؤدون التحية النازية داخل حانة "سيتاديل"، وقال: "سوف يؤدي ذلك إلى إغلاقنا، وستكون تلك هي نهايتنا."

وبينما جلس يحتسي البيرة داخل حانة "سيتاديل"، قال فيرهاسيل مفسراً ذلك: "يريدون الإتيان بإيماءات. نحن نريد السلطة ... فقد يريدون الرومانسية. إنها جميلة، إنها حلوة، ولكنها لا تسهم كثيراً في خدمة القضية. الهدف هو الفوز."

الهجمات العنصرية والتحيات النازية

على الرغم من التبرؤ في العلن من العنف ومن العنصرية، إلا أن فيرهاسيل نفسه صور مؤخراً وهو يشجع النشطاء على القيام باعتداءات. فقد قال مخاطباً نشطاء جيل الهوية داخل حانة "سيتاديل" في أكتوبر / تشرين الأول من العام الماضي: "هناك من يحتاج إلى الضرب. ولكن نعم، الفائدة هي أننا في بيئة عنيفة والجميع يتقبل ذلك."

كما تظهر التسجيلات المصورة من حانة "سيتاديل" ومن مناطق أخرى في مدينة ليل النشطاء وهم يتفاخرون من حين لآخر بتنفيذ هجمات عنيفة وإلقاء تحيات نازية.

في ليلة الاعتداء على المراهقين، قام ناشط يميني متطرف مرتبط بجيل الهوية، يعرف باسم لورو، بتحية فاليزورفاقه في حانة في وسط مدينة ليل في نفس تلك الليلة قائلاً: "سيغ هيل، هيا يا جيل الهوية؟ تباً! سيغ هيل."

بينما وصف ناشط آخر من معارف فاليز أيضاً، واسمه شارلز تيسيير، الهجوم على ثلاثة رجال عرب كسر خلاله فاليز أنف أحد خصومه قائلاً: "بدأ ينزف دماً. ثم اقتتلنا، ثلاثة ضد ثلاثة، ثم هربوا. طاردناهم ونحن نهتف عرب قذرون، سيغ هيل."

Remi Falize, the man who attacked a teenage Muslim girl.
ريمي فاليز، الرجل الذي قال إنه يتمنى أن يرتكب مذبحة ضد المسلمين [الجزيرة]

مثل هذه الاعتداءات العنصرية، كما يقول ناشط آخر اسمه ويل تير يسيل، لمت شمل نشطاء جيل الهوية.

في هذه الأثناء التقط لفاليز تسجيل وهو يعترف بأنه إذا ما تبين أنه مصاب بمرض فتاك، فإن أمنيته ستكون "ارتكاب مجزرة" ضد المسلمين، ربما من خلال إطلاق النار عشوائياً داخل مسجد في مدينة ليل، أو ربما من خلال صدم سيارة بجمهور المتسوقين داخل سوق وازيميز في المدينة، والذي يغشاه العرب والمسلمون بكثرة.

وقال ضاحكاً: "إذا ما ذهبت بسيارتك إلى هناك يوم الأحد، فستكون فوضى عارمة. طالما أنني لن أفقد حياتي أثناء المذبحة فلسوف أقوم بها."

رداً على ما خلصت إليه تحقيقات الجزيرة، قال محام موكل عن فيرهاسيل إن حانة "سيتاديل" ترحب بالناس من مختلف القناعات ولا تمثل جيل الهوية.

وأضاف المحامي إن حانة "سيتاديل" تندد بأشد الألفاظ بالتصريحات الصادرة عن أعضائها إذا ما ثبت فعلاً أن تلك التصريحات قد صدرت عنهم.

من جهتها، وصفت سيلفي غيلوم، نائب رئيس البرلمان الأوروبي، مقاطع الفيديو التي تصور الاعتداءات والاعتراف بممارسة العنف بأنه "مقلقة".

وأضافت مطالبة بإجراء قانوني: "يقولون صراحة إنهم ينوون افتعال العراك، وأنهم يعدون أنفسهم لذلك، فلديهم قفازات للضرب، ويستهدفون ضحاياهم. هؤلاء الناس يشيرون مباشرة إلى هتلر ويتحدثون بعبارات يستخدمها النازيون."

ومضت غيلوم تقوم: "هذه تصرفات يعاقب عليها القانون."