كيف اخترق اليمين المتطرف التجمع الوطني الفرنسي

حصري

كيف اخترق اليمين المتطرف التجمع الوطني الفرنسي

تحقيق سري للجزيرة يكشف عن الروابط الوثيقة بين مجموعة شبابية عنيفة وحزب التجمع الوطني بقيادة مارين لوبان

10 ديسمبر 2018


كشف تحقيق للجزيرة عن ارتباطات وثيقة بين مجموعة يمينية متطرفة عنيفة في مدينة ليل الفرنسية والتجمع الوطني بزعامة مارين لوبان، على الرغم من مساعي الحزب لتحسين صورته الكارهة للأجانب والعنصرية رجاء توسيع قاعدته الانتخابية.

يحتل عضوان على الأقل من جيل الهوية، وهي حركة شبابية مناهضة للمسلمين، مناصب سياسية في التجمع الوطني، كما يكشف عن ذلك وثائقي جديد للجزيرة بعنوان "جيل الكراهية".

يبدو أن انضمامهما للتجمع الوطني، الذي كان من قبل يسمى الجبهة الوطنية، جزء من مساعي أوسع من قبل جيل الهوية لاختراق حزب لوبان وصياغة سياساته.

في مقاطع فيديو تم تصويرها سراً، زعم أورليان فيرهاسيل، البالغ من العمر 34 سنة والذي يعتبر زعيم جيل الهوية في ليل، بأنه كتب خطابات لزعماء التجمع الوطني، وثبت أنه على صلة وثيقة بمساعد لوبان واسمه سيباستيان تشينو.

كما قال نشطاء في حديث مع مراسلنا المتخفي إن فيرهاسيل ساعد أعضاء من مجموعة جيل الهوية في إيجاد وظائف داخل التجمع الوطني، علماً بأن فيرهاسيل لديه سجل حافل بالإدانات بسبب العنف، بما في ذلك حكم بالسجن لخمسة شهور بسبب اعتداء على مراهقين من شمال أفريقيا.

كما تم تصوير فيرهاسيل، الذي يستأنف ضد الحكم بالسجن الصادر بحقه، وهو يقول لصحفي من كندا بأن جيل الهوية، والتي تعتبر من أسرع الحركات اليمينية المتطرفة نمواً وانتشاراً في أوروبا، ليست مهتمة بالفوز بالمناصب السياسية بسبب "أننا نرى أنفسنا في أفكار [الجبهة الوطنية]."

وأيضاً في محادثات تم تصويرها سراً، زعم نشطاء يمينيون متطرفون آخرون من بوردو، في جنوب غرب فرنسا، أنهم قدموا خدمات أمنية لزعماء التجمع الوطني أثناء الانتخابات الرئاسية التي جرت في عام 2017، والتي خسرتها لوبان لصالح إيمانويل ماكرون في الجولة الأخيرة. في نفس الوقت كان أعضاء في التجمع الوطني يتحدثون عن دعمهم "لحرب أهلية" أثناء زياراتهم إلى حانة خاصة يديرها فيرهاسيل واسمها "السيتاديل".

في ردها على الجزيرة نفت لوبان وجود أي علاقات بين جيل الهوية والتجمع الوطني، وأضافت أن فيرهاسيل لم يعمل إطلاقاً في حزبها ولم يكتب بتاتاً أي خطابات له.

’يكمل بعضنا بعضاً‘

ما تم الكشف عنه يوم الأحد كان جزءاً من عملية سرية استمرت لستة شهور، بدأت في سبتمبر من العام الماضي في فرع جيل الهوية في ليل. تم تصوير أعضاء في المجموعة وهم يقومون باعتداءات عنصرية ويعترفون بارتكابهم سلسلة من الاعتداءات على العرب والمسلمين، ويؤدون التحيات النازية.

وذلك على الرغم من أن جيل الهوية، وهي جماعة ممتدة في أنحاء أوروبا ويقدر عدد نشطائها بالآلاف وعدد أتباعها عبر الإنترنيت بعشرات الآلاف، تزعم بأنها ليست عنيفة وليست عنصرية. تتصدى المجموعة للدفاع عما ترى أنه هوية وثقافة الأوروبيين البيض في مواجهة ما تسميه "الإحلال الكبير" من قبل الهجرة الجماعية والأسلمة.

بيير لارتي عمل في التجمع الوطني في مجلس أوت دو فرانس لثلاثة شهور في عام 2017 [الجزيرة]

فيرهاسيل، الذي يعتبر أحد أبرز الزعماء، يرى جيل الهوية كمغذ للجبهة الوطنية. ولذلك فهو يصف منظمة جيل الهوية باعتبارها "حركة سياسية جادة تدرب القادة الشباب" وقال في حديث مع صحفي كندي كان يزور السيتاديل إن الحركة لم تكن مهتمة بالاستحواذ على منصب سياسي.

وقال في ديسمبر / كانون الأول الماضي: "وذلك لسبب واحد بسيط ... لدينا الجبهة الوطنية في فرنسا."

وأضاف: "نحن نرى أنفسنا باعتبارنا الفكرة التي يحملونها. فأولئك الذين يرغبون في السن المناسبة في الانضمام إلى حركة تخوض الانتخابات السياسية بإمكانهم أن يمضوا قدماً وينضموا إلى الجبهة الوطنية."

يقول ماثياس ديستال، الصحفي الفرنسي الذي ما فتئ يستقصي اليمين المتطرف في البلاد، يبدو أن جيل الهوية يتخذ أسلوباً يسمى "الدخول" – أي اختراق حزب سياسي بهدف تخريب سياساته وأهدافه.

وقال: "نرى قوة سياسية تندمج في الجبهة الوطنية، وهذه القوة السياسية لديها ثقافة عنف وعنصرية وكراهية للأجانب ومسكونة بالإسلاموفوبيا، ثم ينتهي المطاف بكل ذلك في برامج الحزب وفي خطابات مسؤولي الجبهة الوطنية."

وبالفعل، كثير من أعضاء جيل الهوية يعربون عن دعمهم لهذا الأسلوب.

كلو جيلموني قالت إن هدف جيل الهوية هو أن تكون "بوصلة" للحكومات [الصورة من جيل الهوية في باريس]

في ديسمبر / كانون الأول من عام 2017، قالت كلو جيلموني، الناشطة في جيل الهوية، في حديث مع مراسلنا المتخفي إن هدف الحركة هو ممارسة الضغط السياسي على الحكومات.

وقالت: "يتمثل ذلك في اقتراح الحلول على الحكومات، وليس استلام الحكم بدلاً منها."

وادعت جيلموني بأن جيل الهوية كانت أول من تحدث عن نزع الجنسية الفرنسية عن مزدوجي الجنسية الذين يدانون بالإرهاب – وهو المقترح الذي حاز على دعم الأغلبية داخل البرلمان الفرنسي في عام 2016 إلا أنه تم سحبه فيما بعد من قبل رئيس فرنسا في حينها فرانسوا أولاند.

وقالت: "لقد نشرنا كتباً وبثثنا أفكاراً تم تبنيها جميعاً من قبل الجبهة الوطنية. وقامت الجبهة الوطنية بما عليها من عمل، وكان ذلك هو السياسة، وقمنا نحن بما علينا، والذي كان في الشوارع."

وأضافت: "وذلك دون أن يكون ذلك بشكل رسمي، لأننا بالضرورة يكمل بعضنا بعضاً."

استراتيجية نزع الشيطنة

كما اكشتف مراسلنا المتخفي أن أعضاء التجمع الوطني يرحب بهم داخل السيتاديل. بل لقد قبل بعضهم اللغة التي يتحدث بها أعضاء جيل الهوية حول حرب أهلية محتملة بين الأوروبيين البيض والمسلمين. قال باسكال جوي، وهو عضو يحمل بطاقة عضوية في التجمع الوطني، إنه يتوقع "ثورة" فيما لو وصلت لوبان إلى السلطة وبدأت في طرد من أسماهم "المجرمين الصغار".

وقال: "لو كان محتماً حدوث ثورة، ولديك أحد الملونين الذي يسبب لك إزعاجاً، فكل ما عليك هو أن تطلق النار عشوائياً من النافذة."

كجزء من مساعي لوبان لتنظيف صورة الحزب، بذلت الجبهة الوطنية جهوداً خلال السنين الأخيرة للنأي بنفسها عن المجموعات اليمينية المتطرفة.

عندما سيطرت الزعيمة البالغة من العمر خمسين عاماً على الحزب في عام 2011، قامت بطرد العشرات من الناس الذين اتهموا بالعنصرية وممارسة العنف – بما في ذلك والدها ومؤسس الجبهة الوطنية نفسه بعد أن صدرت عنه تصريحات يقلل فيها من أهمية المحرقة (الهولوكوست).

يقول الصحفي ديستال إن تلك التحركات كان جزءا من محاولة لوبان "نزع الشيطنة" عن الحزب وكسر "سقفه الانتخابي الزجاجي".

وبدت تلك الجهود ناجعة.

ففي عام 2017 حصدت لوبان أكثر من سبع ملايين صوت في الجولة الأولى من انتخابات الرئاسة الفرنسية، وفي الجولة الثانية دعمها أكثر من 10 ملايين ناخب، ولكنها خسرت أمام ماكرون.

تمخضت هزيمتها، وما رافقها من نتائج مخيبة للآمال في الانتخابات التشريعية التي عقبت ذلك، والتي فازت الجبهة الوطنية فيها بثمانية مقاعد فقط لا غير، عن تبادل الاتهامات داخل حزبها.

في تلك الأثناء غادر الحزب في شهر سبتمبر من العام الماضي الذراع الأيمن لزعيمة الحزب لوبان، واسمه فلوريان فيليبوت، الذي كان معروفاً بنزعته الإصلاحية وبتزعمه لاستراتيجية نزع الشيطنة. ادعى فيليبوت بأن الحزب كان يتخذ مساراً "مخيفاً تماماً" يعود عبره إلى الأيام الحالكة لماضيه المتطرف جداً.

Remi Meurin said he joined FN to push GI’s policies [Al Jazeera]
ريمي ميورين يقول إنه انضم إلى الجبهة الوطنية من أجل الترويج لسياسات جيل الهوية داخل الحزب [الجزيرة]

إلا أن لوبان رفضت تلك المزاعم، وإن كانت ارتباطات جيل الهوية في ليل بالتجمع الوطني تقول شيئاً مختلفاً.

قال فيرهاسيل لمراسلنا المتخفي إنه كتب خطابات وعمل في مجال الاتصالات لصالح المسؤولين المنتخبين داخل التجمع الوطني، وزعم أنه عقد لقاءات مع تشينو، مساعد لوبان وعضو البرلمان الفرنسي.

كما أن تشينو، بحسب ما يقوله الناشط في جيل الهوية رومالد ماتسوزاك، ساعد فيرهاسيل على دخول تجمع انتخابي لحملة التجمع الوطني في إبريل / نيسان من العام الماضي بعد أن كان قد منع في البداية من الدخول من قبل حراس الأمن.

كما قال ماتسوزاك، الذي حضر المهرجان، إن فيرهاسيل "لم يكن مسموحاً له بالتواجد هناك ... لأنه أوريليان، وليست تلك الصورة الأفضل للجبهة الوطنية." في نهاية المطاف، كما قال ماستوزاك، بعث تشينو برسالة إلى فيرهاسيل يقول له فيها: "أدعوك للحضور، بإمكانك أن تأتي"، فسمح لزعيم جيل الهوية بالدخول.

في تصريح للجزيرة، أقر تشينو بأنه اجتمع مع فيرهاسيل ولكنه نفى أن تكون له صلات وثيقة به. وفي تصريح لها قالت لوبان إن فيرهاسيل شخص غير مرغوب به في التجمع الوطني وأنه يحظر عليه الانتساب إليه.

’نحن الوحيدون الباقون‘

في تلك الأثناء، وفي لقاءات صورت سراً، قال نشطاء آخرون في جيل الهوية إن فيرهاسيل ساعد نشطاء جيل الهوية في الحصول على وظائف داخل التجمع الوطني.

لقد عمل الناشطان في جيل الهوية بيير لارتي وريمي ميورين في التجمع الوطني في المجلس المحلي لهوت دو فرانس، ومقره ليل، عاصمة إقليم الشمال، بحسب تصريحات صادرة عنهما لمراسلنا المتخفي. لكنهما ما لبثا منذ ذلك الحين أن تركا منصبيهما.

يتزعم هوت دو فرانس التابعة للتجمع الوطني السياسي فيليب إيمري.

قال لارتي، الذي طالب بإطلاق الرصاص على رؤوس "الإسلاميين والمتواطئين معهم" أثناء احتجاجات عام 2016 في باريس، إنه شغل منصب رئيس ديوان التجمع الوطني في المجلس الإقليمي لمدة ثلاثة شهور في أواخر عام 2017.

وقال لارتي، الذي كان فيما سبق يشغل منصب رئيس الموارد البشرية في مصنع في منطقة باريس، إنه طرد من عمله عندما اكتشف رئيسه في العمل أنه على ارتباط بجيل الهوية.

وقال في حديثه لمراسلنا: "لقد طردت في نصف نهار." بعد ذلك وظفه التجمع الوطني على الرغم من ارتباطاته بجيل الهوية، كما قال. وأضاف في إشارة إلى جيل الهوية: "في الجبهة يعرفون من أنا ... والاتفاق معهم هو أننا لا أظهر في الواجهة مع أعضاء جيل الهوية."

أما مورين، الذي عمل لما يقرب من سنتين في هوت دو فرانس، فأخبر مراسلنا أن فيرهاسيل استخدم شبكة معارفه ليحصل له على وظيفة كمساعد سياسي في المجلس الإقليمي للتجمع الوطني.

وقال إنه انضم إلى الحزب من أجل الدفع قدماً بسياسات جيل الهوية.

وقال: "ذهبت إلى ذلك وفي بالي أن أقوم بالترويج لأفكارنا. أما الوضع اليوم فلم يعد فيه فلوريان فيليبوت. وهذا يعني أننا فزنا، إذ لم يعد هناك سوانا."

رفض إيمري، زعيم هوت دو فرانس في التجمع الوطني، التعليق على توظيف لارتي وميورين، وقال إن الحزب يوظف العاملين في المجلس الإقليمي "طبقاً لما هو معمول به في القانون."