سياسيون قبارصة متورطون في برنامج يبيع جوازات السفر للمجرمين

حصري

سياسيون قبارصة متورطون في برنامج يبيع جوازات السفر للمجرمين

يكشف تحقيق للجزيرة كيف ناقش كبار المسؤولين في قبرص طرقاً لمنح الجنسية لمجرم مدان.

12 أكتوبر 2020


يتورط العديد من كبار المسؤولين القبارصة، بما في ذلك السياسيون والمحامون وكبار رجال الأعمال في قطاع تطوير العقارات، في مخطط يمكن أن يتيح للمجرم شراء جواز سفر أوروبي من خلال برنامج الاستثمار مقابل الجنسية الذي تنفذه البلد، كما كشف عن ذلك تحقيق للجزيرة.

في "أوراق قبرص: المهمة السرية "، تكشف الجزيرة كيف يعبر كبار المسؤولين في البلاد عن استعدادهم لمساعدة ودعم المجرمين المدانين في الحصول على الجنسية القبرصية، والتي تفتح أمام المجرمين أبواب الأسواق المحلية في الاتحاد الأوروبي وتمكنهم من السفر بحرية دون الحاجة إلى تأشيرة الدخول.

ومن المتورطين رئيس البرلمان دمتريس سيلوريس وعضو البرلمان كريستاكيس جيوفاني، والذي يملك واحدة من أكبر شركات التطوير العقاري في البلاد.

يأتي هذا الكشف بعد شهرين من نشر وحدة تحقيقات الجزيرة لما يسمى "أوراق قبرص" والتي هي عبارة عن ألف وخمسمائة وثيقة مسربة تثبت أن قبرص فشلت بانتظام في الالتزام بقوانينها هي وسمحت للمجرمين المدانين والهاربين من العدالة في الحصول على الجنسية القبرصية.

بعد ذلك التحقيق دافعت قبرص عن برنامجها وقالت إنه على الرغم من وقوع عدة أخطاء في السنوات الأخيرة إلا أن تشديد القوانين وإجراءات التدقيق في خلفيات المتقدمين بطلبات كانت تكفي لمنع المجرمين من الحصول على جوازات سفر.

رجل أعمال صيني مدان

يمنح برنامج الجنسية القبرصية مقابل الاستثمار جواز السفر القبرصي لأي شخص يستثمر 2.5 مليون دولار في البلد، والذي يحصل في العادة من خلال الاستثمار في العقارات.

منذ عام 2013، عندما بدأ برنامج جواز السفر، أدخلت البلد إيراداً تجاوز سبعة مليارات يورو (ما يعادل ثمانية مليارات دولار)، استخدمت لنجدة الاقتصاد المتردي.

على الرغم من أنه قانوني، إلا أن البرنامج يتعرض باستمرار لنقد من الاتحاد الأوروبي ومن المنظمات غير الحكومية المعنية بمكافحة الفساد، والتي تقول إنه يسهل غسيل الأموال المنهوبة من روسيا ومن غيرها.

باستخدام مراسل متخف يدعى بيلي، والذي زعم أنه يمثل مستثمراً صينياً محكوماً بالسجن سبع سنين بتهمة غسيل الأموال، تمكنت وحدة تحقيقات الجزيرة من الوصول إلى بعض أرفع السياسيين منصباً ممن لهم علاقة بالبرنامج.

كان بيلي واضحاً من البداية بشأن الحكم بالسجن، الذي من المفروض رسمياً أن يفقد صاحب الطلب الوهمي الأهلية للتقدم لبرنامج الاستثمار القبرصي.

ومع ذلك، وفي كل المستويات من صاحب شركة تطوير العقارات إلى رئيس البرلمان، كان يُقال لبيلي إن الحكم بالسجن لن يكون مشكلة طالما كان المبلغ المستثمر كافياً.

في حديثه لبيلي، قال أندرياس بيتادجيس، مقدم الخدمات المسجل لدى برنامج الاستثمار القبرصي: "ليست هذه هي المرة الأولى التي نواجه فيها هذه المشكلة في قبرص."

وأضاف بيتادجيس: "كان لدي شخص سجن لعامين. كان في السجن لعامين بتهم الفساد وغسيل الأموال."

ومضى يقول: "كانت لدينا طرق لتبرير كل شيء، فتمكن من الحصول على الموافقة على طلب جواز سفره. ولديه الآن تأشيرة بانتظاره. بدون أدنى مشاكل."

بل لقد اقترح بيتادجيس تغيير الاسم في جواز السفر، الأمر الذي سيسمح للمجرم المدان بعد حصوله على جواز سفر جديد بحمل هوية جديدة تماماً.

وقال: "بالطبع نستطيع تغيير الاسم. هذه قبرص."

تكررت تأكيدات المحامي على لسان سياسيين رفيعي المستوى. فرئيس مجلس النواب دمتريس سيوريس والنائب في البرلمان جيوفاني كلاهما قالا إنهما سيعملان كل ما في وسعهما لاستخراج جواز سفر للمجرم الوهمي الذي يوظف بيلي.

قال جيوفاني: "ليس الأمر سهلاً. ولكن بإمكاني أن أعدك بأنني والفريق الموجود هنا سنبذل كل ما في وسعنا. وأعتقد أن لدينا الخبرة."

أما سيلوريس فذهب إلى أبعد من ذلك حين قال:

"بإمكانك أن تخبره، دون أن تذكر اسمي أو اسم أي شخص آخر، أنه سيحظى بدعم كامل من قبرص. على أي مستوى – سياسي، اقتصادي، اجتماعي، كل شيء – طيب."

طلبات عائلية

يجد برنامج الجنسية من خلال الاستثمار رواجاً بين الأثرياء من بلدان مثل روسيا والصين وأوكرانيا، وذلك لأنه يمنحهم عبوراً إلى الأسواق الأوروبية وفي نفس الوقت يوفر لهم خيار الاحتفاظ بأموالهم بأمان بعيداً عن الأعين المتربصة بهم في أوطانهم.

ونتيجة لذلك نشأت الكثير من المؤسسات التي تقوم على توفير الخدمات للمستثمرين الأثرياء بشكل خاص.

ومنها مجموعة جيوفاني، المتخصصة بتطوير العقارات والتي أسسها عضو البرلمان كريستاكيس جيوفاني. قال مديرها التنفيذي أنطونيس أنطونيو إنه ينبغي على الشخص الذي يعمل لديه بيلي (مراسل الجزيرة المتخفي) أن يأخذ بالاعتبار الاستثمار أكثر في قبرص، مبلغاً يصل إلى عشرين مليون يورو، وذلك رغم معرفته بأنه كان مجرماً مداناً.

قال أنطونيو في حديثه مع مراسل الجزيرة المتخفي: "كلما استثمرت أكثر كلما كنت في وضع أفضل. بإمكانك أن "تتجاوز قائمة الانتظار" كما نقول."

ولحل أي مشاكل قد تظهر، بين بيتادجيس أن الطلبات يمكن أن تقدم بأسماء أفراد عائلة من لا يسمح لهم بالتقدم بأنفسهم.

فيما بعد يمكن للمجرم أن يقدم طلباً للالتحاق بالعائلة.

قال المحامي: "كان لدي عميل يرغب في الاستثمار ولكنه لم يستطع. إلا أن زوجته استطاعت. لدي عميل أراد أن يستثمر ولكنه لم يستطع، ولكن ابنه استطاع."

وأضاف: "لا يمكنك جعل المشاكل تختفي، ولكن بإمكانك أن تحلها إذا توفر الحل."

وقال بيتادجيس إن إقناع البنوك القبرصية في العادة أصعب من إقناع السياسيين الذين ينبغي أن يوافقوا على الطلبات أيضاً.

وقال المحامي: "صياغة الاتفاق أمر سهل. يمكن لسكرتيراتي أن يقمن بذلك. ولكن إقناع البنك والحكومة بأن هذا الشخص وضعه شرعي، عندما تكون هناك بعض المشاكل، فذلك هو الجزء الصعب. كان لدي شخص رفض طلبه ... لدينا بالمجمل اثنا عشر بنكاً. رفضه أحد عشر بنكاً. أحد عشر بنكاً قالوا له لا. اتصل وقال أرجوك هي تستطيع المساعدة؟ قلت له بإمكاني المساعدة. سوف أجهز الملفات التي أريد، وجمع الوثائق التي أريد. وخلال خمسة عشر يوماً حصل على الموافقة."

منظومة تالفة تستعصي على الإصلاح

طبقاً لما تقوله لاورا بريلود، مسؤولة السياسات في قسم مكافحة الفساد لدى مؤسسة الشفافية الدولية غير الحكومية، إن اللقطات المصورة تثبت أن برنامج الجنسية من خلال الاستثمار في قبرص برنامج فاشل.

وفي تصريح للجزيرة، قالت بريلود: "ما يثبته كل ذلك هو أننا لسنا فقط إزاء قليل من التفاح الفاسد، بل إن المنظومة بأسرها تالفة وتستعصي على الإصلاح."

وأضافت: "برنامج الجواز القبرصي وغيره من البرامج في البلدان الأخرى تشكل خطراً على النظم الدولية والجهود التي تبذل لتطبيق القانون لأنها في واقع الأمر تفتح طريقاً للعبور بعيداً عن الرقابة البنكية."

ودعت بريلود الاتحاد الأوروبي إلى اتخاذ إجراء لتغيير برنامج جواز السفر المعمول به حالياً.

وقالت: "يستخدم الاتحاد الأوروبي كنقطة جذب للراغبين في الاستفادة من هذه البرامج." وأكدت أنه إذا لم يغير الاتحاد الأوروبي القواعد المعمول بها في هذا الشأن، فسوف يزداد الوضع سوءاً في المستقبل.

وأضافت: "إذا لم يتم التعامل مع الأمر على مستوى الاتحاد الأوروبي، فسوف يشجع ذلك الدول الأعضاء على الدخول في سباق نحو القاع حيث تخفض كل واحدة منها شروط التحري المطلوب بهدف جذب أكبر عدد ممكن من العملاء."

لدى مواجهة المتورطين في الأمر بما حصل عليه فريق الجزيرة المتخفي من أدلة نفوا جميعاً ارتكاب أي مخالفات.

قال أندرياس بيتادجيس إنهم فهم منذ البداية أن ما كان مقترحاً اشتمل على غسيل أموال وعلى نشاطات إجرامية، وأن كل ما فعله منذ ذلك الحين إنما كان من باب "التصيد بحثاً عن مزيد من التفاصيل."

كما أشار إلى أنه، وبعد أيام قليلة من مغادرة مراسلينا قبرص وإزاء إخفاقهم في تزويده بنسخة من جواز سفر مقدم الطلب المقترح، قام بتزويد وحدة مكافحة غسيل الأموال في قبرص بتقرير عن الموضوع.

كريستاكيس جيوفاني وأنطونيس أنطونيو من مجموعة جيوفاني أخبرونا بأنهما كانت لديهما شكوك حول مقدم الطلب المقترح تداولوا بشأنها مع بيتادجيس.

وقالا إنهما أكدا باستمرار وبشكل واضح أنه ينبغي إقناعهما "بشرعية المستثمر ومصادر أمواله" قبل التعامل مع أي طلب.

وقالا إن تعاملهما المستمر مع مراسلينا المتخفيين إنما كان يقصد منه جمع المعلومات لدعم تقرير يعد للسلطات دون "إنذارهم مسبقاً".

وقال دمتريس سيلوريس إنه لم يقدم أي خدمات لمقدم الطلب المقترح وأنه تارة أخرى اعتمد على التقرير الذي قدمه فيما بعد بيتادجيس إلى وحدة مكافحة غسيل الأموال.

المصدر: الجزيرة