’ما الذي نخاف منه كنساء؟‘: الاعتداء الجنسي في جامعات بريطانيا

مقال طويل

’ما الذي نخاف منه كنساء؟‘: الاعتداء الجنسي في جامعات بريطانيا

نساء يعملن أو يدرسن في الجامعات البريطانية يتحدثن عن كيف يساء التعامل مع شكاويهن حول التعرض لسوء سلوك جنسي.

2 نوفمبر 2021 | 23 دقيقة قراءة


ذات أمسية في شهر مارس (آذار) من عام 2020، سارت طالبة في جامعة أكسفورد تبلغ من العمر ستة وعشرين عاماً على امتداد برود ستريت، الطريق التاريخي في المدينة. حينها كانت الجائحة قد بدأت لتوها في التفشي في أرجاء بريطانيا، وكانت الشوارع ساكنة.

كانت هارييت، التي نمتنع عن ذكر اسم عائلتها حماية لها، في طريقها إلى كلية وادهام، إحدى الكليات الخمس والأربعين التي تتكون منها الجامعة. هناك، في غرفة محاضرات كبيرة جيدة الإضاءة تقع في الجهة الخلفية من الكلية التقت مجموعة من الطالبات يتبادلن حكايات التحرش الجنسي التي تعرضن لها داخل الجامعة. كانت الطالبات خليطاً من الدارسات في مستوى الدرجة الجامعية الأولى والباحثات في الدراسات العليا، إلا أن حكاياتهن كانت إلى حد كبير متشابهة.

جاءت هارييت وهي على أهبة الاستعداد. راحت تقرأ من شهادة مكتوبة ومحفوظة داخل هاتفها النقال، تصف فيها كيف أن طالباً زميلاً لها من كلية باليول، الكلية التي كانت هارييت تدرس فيها الكيمياء الحيوية، اعتدى عليها جنسياً في العديد من المناسبات على مدة عدة أشهر.

كانت قد قدمت شكوى رسمية عبر البريد الإلكتروني إلى واحد من كبار الموظفين في الكلية، الذي قال لهارييت إنه بدأ تحقيقاً بالنيابة عن الكلية. ولكن بعد انتظار دام ستة شهور، لم تتلق أثناءها هارييت أخباراً تذكر ولم يتم إعلامها من الذي كان يتابع قضيتها، بلغها بأن الكلية قررت عدم إجراء تحقيق كامل لأنها "رفضت التوجه إلى الشرطة".

تنص سياسات كلية باليول وكذلك جامعة أكسفورد على أنهم غير مضطرين للتحقيق في شكاوى التعرض لسلوك جنسي مسيء إذا لم يتوجه الشاكي إلى الشرطة بشكواه.

وكانت هارييت قد قررت عدم اللجوء إلى الشرطة لأنها خشيت من مغبة ما يمكن أن يسببه لها ذلك من معاناة ولأنها كانت على وعي بمدى انخفاض معدل الإدانات الصادرة بحق من يتهمون بمثل تلك الجنح. الذي لم تكن تعلمه حينذاك هو ما الذي يمكن أن يعنيه ذلك بالنسبة لتحقيق الكلية المحتمل. عندما اشتكت هارييت اقترح عليها أحد الموظفين في الكلية أن تتوجه بشكواها إلى الشرطة لأن الإجراءات التأديبية غير الأكاديمية في الكلية لم تكن مهيأة للتعامل مع جرائم الاعتداءات الجنسية الخطيرة. ولم يشرح لها بأنها إذا لم تذهب إلى الشرطة فإنها بذلك تمنح الكلية المبرر لعدم المضي قدماً في التحقيق.

استمر الشخص المتهم بالإساءة إليها في درساته جنباً إلى جنب معها داخل كلية باليول.

تؤكد هارييت بأنها وجدت نفسها في حالة من الارتباك والسخط، وتقول: "سواء اشتكيت أم لم تشتك، فالنتيجة واحدة."

في تلك الأمسية من شهر مارس (آذار) صدمت هارييت عندما علمت بأن معظم النساء المتواجدات في القاعة تم إسقاط شكاويهن أيضاً من قبل الجامعة أو من قبل الكليات المعنية.

وبينما كانت هارييت تستمع إلى تجارب مشابهة لتجربتها تسردها النساء المجتمعات في القاعة، الفتاة تلو الأخرى، معبرات عن شعورهن بالاستياء بسبب سوء تعامل الجامعة مع شكاويهن، كانت مجموعة أخرى من النساء يجرين حواراً حول الموضوع على مسافة تزيد عن خمسين ميلاً في لندن.

في قاعة تعود إلى الحقبة الجورجية داخل نادٍ يقتصر الحضور فيه على الأعضاء في حي سوهو بلندن، التقت مجموعة من كبار الأكاديميات من مختلف الجامعات في بريطانيا مع محامين من المؤسسة القانونية ماكاليستر أوليفاريوس لإطلاق إرشادات جديدة حول كيف ينبغي التعامل مع الشكاوى التي يتقدم بها الطلاب ضد موظفي الجامعات المتهمين بارتكاب اعتداءات جنسية. على الرغم من أن تلك الفترة كانت تشهد أوج تفشي الجائحة إلا أن القاعة كانت محتشدة. كان اللقاء من تنظيم مجموعة 1752، وهي منظمة بحثية وحقوقية أسستها أكاديميات قبل عدة سنوات بهدف التصدي للاعتداءات الجنسية داخل الحرم الجامعي.

لا يوجد في بريطانيا قوانين تنظم كيفية تعامل الجامعات مع الاعتداءات الجنسية التي تقع داخلها، بينما تفرض الإرشادات التي تعود إلى العام 1998 قيوداً على الجامعات التي تحقق في شكاوى الاعتداءات الجنسية إلى أن تنتهي الشرطة من تحقيقاتها هي في نفس تلك الشكاوى. أعيدت صياغة هذه الإرشادات في عام 2016 لتنص على أن بإمكان الشاكي أن يقرر ما إذا كان يرغب في أن تجري الشرطة تحقيقاً في شكواه أو الجامعة التي ينتمي إليها. ولكن، وبعد مضي خمسة أعوام، مازالت الجامعات غير ملزمة باتباع تلك الإرشادات.

حينما قررت هارييت الخروج عن صمتها، كانت وحدة تحقيقات الجزيرة تجري تحقيقاً في قضية أحد كبار الأساتذة في الجامعة الذي باتت سلوكياته الجنسية السيئة توصف بأنها سر مفتوح.

سرعان ما بدأت تطول قائمة أسماء الأكاديميين الذين يستغلون مناصبهم وما يتمتعون به من نفوذ. بعد عامين من التحقيق، كشفت وحدة تحقيقات الجزيرة عن عشرات الحالات من السلوك الجنسي المسيء لموظفين وطلاب، وفي نفس الوقت عن تصميم مؤسساتي على تجاهل تلك السلوكيات.

في نفس ذلك الوقت تقريباً، في شهر مارس (آذار) من عام 2020، غردت محاضرة في الأفلام في جامعة غلاسكو تقول: "أعلم أن كل واحد لديه من الأمور المهمة ما يشغله حالياً، ولكنني قضيت عامين في الجحيم لأن طالب دكتوراه كذب علي وأخفى هويته الحقيقية لكي يتمكن من ترتيب موعد غرامي معي، ثم اعتدى علي جنسياً. واليوم قالوا لي إنهم لن يتخذوا أي إجراء بحقه."

بعد بضعة شهور، سردت الدكتورة ريبيكا هاريسون، أو بيكا، حكايتها لوحدة تحقيقات الجزيرة أثناء غداء عمل في مدينة برايتون الساحلية، التي وصلتها من غلاسكو صباح ذلك اليوم. وبينما كان السواح يغدون ويروحون، جلست هي تتحدث عن عزمها لفت الانتباه إلى إخفاق المؤسسة التي تعمل لديها في اتخاذ إجراء ضد الرجل التي تقول إنه اعتدى عليها جنسياً.

تعود الحكاية إلى عام 2018 عندما كانت بيكا على موعد مع طالب دكتوراه اسمه زاهد خان يبلغ من العمر سبعة وثلاثين عاماً، والذي تقول إنها التقته عبر تطبيق تعارف ومواعدة على الإنترنت. عندما أخبر ذلك الطالب بيكا أثناء الموعد الغرامي بينهما إنه كان في الحقيقة طالباً يدرس في نفس القسم الذي تعمل به داخل جامعة غلاسكو – وهي معلومة كما شرحت لنا اعترف لها بأنه كان يعرفها ولكنه تعمد إخفاءها عنها قبيل الاتفاق على الموعد الغرامي – قالت له إنها ستمكث لاحتساء بعض المشروبات ولكن اللقاء بينهما لم يعد موعداً غرامياً.

على الرغم من ذلك، كما تقول، تعمد الإمساك بيديها مرات عديدة، وأخيراً قبلها رغماً عنها بعد أن نهرته وقالت لا. وعن ذلك تقول: "من الناحية القانونية يعتبر ذلك اعتداءً جنسياً. حتى لو لم يطلب مني مقدماً وقلت لا، لقد بينت له بكل وضوح أنني لم أرد من ذلك أن يتحول إلى أمر جنسي."

تقول بيكا إنها حاولت نسيان تلك الحادثة ولكن بعد عدة شهور وجدت أن القسم كان على وشك منح خان منصباً تعليمياً، فشعرت بأنه لم يكن لديها خيار سوى التقدم بشكوى رسمية.

استغرق الأمر الجامعة عامين تقريباً إلى أن عقدت جلسة اجتماع للنظر في شكوى بيكا. ولكن عندما فعلوا كان الاكتئاب قد تمكن منها بسبب الإجراءات التي استغرقت زمناً طويلاً وبسبب افتقار الجامعة إلى الاحتراز طوال ذلك الوقت لدرجة أنها لم تتمكن من الحضور، وبدلاً من ذلك قدمت شهادتها عبر مقطع فيديو مسجل وصفت فيه الاعتداء لهيئة من كبار المدراء في الجامعة. قررت الجامعة عدم قبول شكواها بحجة أنها قدمت "عبر مجموعتين مختلفتين من الأحداث" حول الأمسية التي شهدت المواعدة الغرامية بينهما، مجموعة منسوبة إليها ومجموعة أخرى منسوبة إلى خان.

عند تلك النقطة، تنامى إلى علم بيكا أن ثلاث نساء أخريات من خارج الجامعة تقدمن أيضاً بشكاوى ضد خان. اشتكت اثنتان من هؤلاء النسوة رسمياً بينما تقدمت الثالثة بشكوى غير رسمية. عند الكتابة، كانت الشكايتان الرسميتان مازالتا تراوحان مكانهما بدون جلسات استماع، وذلك رغم مرور ثلاث سنين ونصف على تاريخ التقدم بهما.

إلا أن ما لم تكن تعرفه بيكا حتى ذلك الوقت هو أنه في عام 2014، قبل عدة سنوات من انتقال خان للمرة الأولى إلى غلاسكو، تعرضت زوجته لجريمة قتل في بلده الأصلي، باكستان – وأن خان وجه اتهامات باطلة حول تلك القضية.


هل لديكم معلومات عن الفساد ترغبون بمشاركتها معنا؟ يمكنكم التواصل مع وحدة تحقيقات الجزيرة على رقم 0097450580207 (واتساب أوسيجنال)، أو ابحثوا عن طرق أخرى للتواصل معنا عبر صفحة البلاغات التابعة لنا.


قررت وحدة تحقيقات الجزيرة التحقيق في جريمة قتل زوجة خان، سونيا بخاري، لترى ما إذا كان لذلك أي علاقة بالشكاوى التي قدمت ضده في غلاسكو. وعليه فقد أرسلت الصحفية الاستقصائية صداف تشودري إلى المنطقة التي كان يعيش فيها خان مع زوجته المتوفاة في المنطقة الحدودية بين باكستان وأفغانستان. قضت أياماً وهي تنتظر في مركز الشرطة المحلي لحين الحصول على الوثائق ذات الصلة بالقضية، وقضت شهوراً وهي تلاحق المحامين وضباط الشرطة الذي عملوا في التحقيق.

كشف ذلك عن أن خان عاد إلى الباكستان بعد مرور ثلاثة أعوام على مقتل بخاري في 2017 ليوجه الاتهام لمالكة البيت وابنها البالغ من العمر خمسة عشر عاماً ويجزم بأنهما هما من قتلها.

نتيجة لذلك أدينت الأم وابنها بجريمة القتل، إلا أن الأم ما لبثت أن برئت ساحتها في عام 2019 عندما وجد القاضي أنه "لا يوجد دليل يجرمها". أما ابنها فلم تبرأ ساحته إلى في عام 2020.

من بين وثائق المحكمة الكثيرة تمكنت تشودري من الحصول على وثيقة تعود إلى شهر سبتمبر (أيلول) 2020 ورد فيها أن خان "أخفى المعلومات الحقيقية ليفيد بذلك الجاني الفعلي". لم يكن هناك أي دليل يثبت هوية الشخص الذي يتحمل المسؤولية عن جريمة القتل ومن المؤكد أنه لم يوجد ما يربط خان بالقاتل.

أوضحت أنًا بول من مجموعة 1752 أن الجامعات، كما تبين لها من تجربتها، ترفض الوصل بين النقاط.

وتضيف قائلة: "إنهم يخطئون في تقييم طبيعة التحرش الجنسي لأنهم لا يفهمون أن العديد من الناس سوف يستهدفون في نفس الوقت. علينا أن نعمل انطلاقاً من فرضية أنه حتى لو كان شخص واحد هو الذي يشكو، فلربما كان طلاب آخرون وعاملون في الجامعة مستهدفين، إما في نفس الفترة الزمنية أو في السنوات التالية."

مازالت الجامعة تفكر بمنح خان دوراً تعليمياً.

إلا أن جامعة غلاسكو ليست الاستثناء على القاعدة. فعلى مدى السنة التالية دخلت وحدة تحقيقات الجزيرة على ما يسمى "شبكة الهمس" – وهو أسلوب يقوم عبره أعضاء الهيئة التدريسية في التعليم العالي بملء الفراغ الذي تحدثه جامعاتهم في القيام بما هو مطلوب ويبدأون بتبادل المعلومات حول تجاربهم مع التحرش والاعتداء الجنسي وتحذير الآخرين منه.

علمت وحدة تحقيقات الجزيرة من خلال ذلك أنه في الجامعات داخل بريطانيا وحتى على المستوى الدولي، يسيء كبار الأكاديميين الذكور استغلال مواقعهم وما يتمتعون به من نفوذ للتحرش جنسياً بطلابهم وزملائهم – ولا تحرك جامعاتهم ساكناً لمنعهم من فعل ذلك.

إلا أن شبكة الهمس لها حدودها. بينما كانوا يتبادلون الآراء حول زميل لهم في جامعة أكسفورد لديه سجل من التحرشات الجنسية المزعومة، قال أحد الأكاديميين: "يؤسفني أنني لن أتمكن من الحديث حول هذا الوضع إلا إذا بقيت هويتي مجهولة، ولكن ليكن معلوماً أن الجامعات تمارس ضغوطاً ضخمة على موظفي الجامعة لكي يمتنعوا عن الحديث على الملأ حول مشاكل التحرش، لدرجة أنني بت أخشى من أنني سأواجه إجراءات عقابية لو انكشفت هويتي."

في عام 2019 بدأت وحدة تحقيقات الجزيرة باسم واحد، إنه البروفيسور آندري أورتشارد.

كان قد جاء إلى جامعة أكسفورد من جامعة تورونتو في كندا في عام 2013 ليحتل كرسي الأنغلو ساكسون المرموق الذي كان شغله ذات يوم الشاعر والكاتب العالمي جون رونالد تولكين. ولكنه جلب معه سمعة سلوك جنسي سيء.

كان لدى أورتشارد، حسبما يُزعم، سجل من التحرش الجنسي والمبادرة بإقامة علاقات جنسية غير ملائمة مع طالبات الدكتوراه بالإضافة إلى التنمر على الطلاب الآخرين وترهيبهم وممارسة نفس السلوك مع زملاء له في العمل. يعود ذلك إلى الحقبة التي كان فيها يدرس في جامعة كامبريدج في التسعينيات من القرن الماضي.

في عام 2018، بدأ بيرتي هاريسون برونينسكي، وهو طالب في العشرين من عمره في الدراسة الجامعية الأولى في جامعة أكسفور، بالبحث في سمعة أورتشارد كجزء من تقرير يعده لمجلة شيرويل الطلابية التي كان يعمل فيها.

فتحدث مع الأكاديميين الذين عملوا مع البروفيسور، الذي غدا الآن في أواخر الخمسينيات، على مدى ثلاثة عقود وفي جامعتين: جامعة كامبريدج وجامعة تورونتو.

كثيرون منهم أبدوا حرصاً على التحذير منه، وبالفعل قام بعضهم بتوجيه رسائل حوله عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

في ديسمبر (كانون الأول) 2018 غرد أحدهم قائلاً: "أورتشارد موجود على قائمة المؤرخين المعروفون بأنهم يمارسون التحرش والإساءات الجنسية منذ سنين."

وفي تغريدة أخرى تعود إلى عام 2016 قال آخر: "لن أحضر مؤتمراً يستضيف آندي أورتشارد متحدثاً، وما كنت لأحضر جلسة من المقرر أن يتكلم فيها في أي مؤتمر أكبر. ولسوف أنصح الطلاب بعدم دراسة اللغة الإنجليزية في أكسفورد طالما ظل موجوداً هناك."

جمع بيرتي كماً كبيراً من الأدلة التي تثبت ضلوع أورتشارد كما يُزعم في سلوكيات مسيئة وكذلك أدلة على علاقاته غير اللائقة مع الطلاب، ولكن عندما وصل إلى زملاء البروفيسور في أكسفورد قوبل بجدار من الصمت.

فما كان منه إلا أن تقدم بطلب الحصول على معلومات عنه، ومعروف أن أي كيان عام ملزم بتوفير كافة المعلومات المتعلقة بالشخص المعني. كشف ذلك عن أن هناك الكثير من الاتصالات التي تجري داخلياً كرد فعل على التحقيقات التي يجريها بيرتي. بل لقد قام طالب دكتوراه كان أورتشارد يشرف عليه آنذاك بتحويل الرسالة الإلكترونية الواردة من بيرتي إلى أستاذه قائلاً: "لقد تلقيت للتو هذا البريد الإلكتروني المزعج للغاية والذي يبحث عن ثرثرة ماجنة ضدك."

عندما تلقت زميلة للبروفيسور أورتشارد اتصالاً من مجلة إيسيس الطلابية سعياً للحصول على معلومات، ما كان منها إلا أن حولت الرسالة الإلكترونية التي وصلتها إلى موظف آخر يحتل موقعاً إدارياً وسألته إن كانت "محقة في تذكر أنك وجهتنا بشأن ذلك من قبل." وقام أكاديمي آخر بتحويل الرسالة الإلكترونية إلى أورتشارد الذي رد بالقول إن نفسه كانت تسول له بأن يكتب إلى بيرتي بشكل مباشر.

تعتقد ماري رامباران أولم، زميلة ما بعد الدكتوراه في جامعة تورونتو، بأن أورتشارد يمثل مشكلة أوسع داخل الوسط الأكاديمي. وكانت في عام 2019 قد استقالت من منصبها كنائب ثان لرئيس الجمعية الدولية للأنغلو سكاسون، مصرحة بأنها إنما فعلت ذلك احتجاجاً على تبني إشارات وتصورات أنغلو ساكسونية من قبل بعض ممن يعتقدون بتفوق العنصر الأبيض.

إلا أن ما لم تقله حينذاك هو أنها استقالت أيضاً بسبب آندي أورتشارد.

كانت رامباران أولم قد انضمت إلى الجمعة الدولية للأنغلو ساكسون في عام 2005 وأصبحت نائباً للرئيس في عام 2017. وبمجرد أن بدأت أداء مهامها في هذا الموقع بدأت تدفع باتجاه تأسيس قواعد سلوك لمساءلة ومحاسبة من يثبت ارتكابهم لإساءات – سواء كان جنسية أو عنصرية أو غير ذلك.

بدلاً من ذلك قامت الجمعية في عام 2019 بدعوة أورتشارد ليصبح عضواً في مجلس إدارتها كعضو استشاري وذلك بالرغم من وجود تدوينات في مواقع التواصل الاجتماعي حول سلوكياته السيئة المزعومة، بما في ذلك ما حدث في عام 2017 رداً على مقال يسأل "لماذا قضية وينستين شبيهة جداً بما نراه في الوسط الأكاديمي؟"

أعاد أحد الأكاديميين نشر المقالة مقترحاً أنه ينبغي على الأكاديميين "التوقف عن دعوة شخص مثل آندي أورتشارد لإلقاء كلمات في مناسبات مرموقة، بل ينبغي طرده من المجتمعات المتعلمة."

في تصريح للجزيرة، قالت رامباران أولم: "عندما استقلت وتحدثت على الملأ عن كل شيء، بدأ الناس يشركونني فيما لديهم من قصص، وفعلوا ذلك لأنهم تعبوا، وبلغ منهم الإرهاق مبلغاً ... بينما لا تتخذ أي إجراءات."

على مسافة تقل عن عشر دقائق من قسم اللغة الإنجليزية حيث يعمل أوتشارد توجد حانة كينغز آرمز، والتي يغشاها طلاب الجامعة والعاملون فيها. تكسو جدران الحانة المخلفات التذكارية من جامعة أكسفورد: توجد صور بالأسود والأبيض لفرق لعبة لاكروس معلقة إلى جانب صور الأكاديميين وكذلك صور داخل إطارات لأكاديميين من الذكور المسنين والبيض وهم يحتسون الشراب معاً. توجد بين هذه، داخل غرفة خلفية ضيقة، صورة للبروفيسور الشاب بيتر تومبسون تعود إلى ثمانينيات أو تسعينيات القرن الماضي.

عمل تومبسون في قسم التاريخ لعدة عقود، قبل فترة طويلة من وصول الكثيرين من زملائه. توصلت الجزيرة إلى معرفة أن كثيراً من الشكاوى قدمت ضده بعضها بشكل رسمي وبعضها بشكل غير رسمي، وتعود إلى العقد الأول من الألفية الحالية.

تصف إحدى الشكاوى حادثة وقعت كما يُزعم داخل الحانة بعد مؤتمر عقد في عام 2003. تقول أكاديمية كانت حينها في بداية مسارها الأكاديمي إن تومبسون، الذي كان في حالة من السكر، اعتدى عليها لفظياً، حيث مال عبر الطاولة وصرخ في أذنها مباشرة: "أعرف ماذا تريدين ولسوف ...... بقوة وأنت متكئة على الجدار."

أخبرت اثنين من الأكاديميين الكبار في اليوم التالي وقاما هما برفع تقرير عن الحادثة إلى منظم المؤتمر، ولكن لم يُتخذ أي إجراء. وبحسب ما تقوله للأكاديمية، ورغم ما مر من وقت، إلا أن تداعيات تحرشه ظلت تؤثر على مهنتها حتى اليوم.

بعد عقدين من الزمن مازال يدرس في قسم التاريخ، وذلك على الرغم من قبول شكاوى قدمت ضده مؤخراً. ففي عام 2020، قدم خمسة أكاديميين يعملون في قسم التاريخ بجامعة أكسفورد وطالبان شكوى جماعية فصلوا فيها تجارب من تخطي الحدود والسكر وسوء السلوك الجنسي.

بعد تحقيق مضن استمر شهوراً وتضمن مقابلات مطولة، تم قبول الشكاوى المتعلقة بالسكر والتحرش الجنسي. إلا أن أعضاء في الهيئة التدريسية داخل القسم قالوا إن أي تداعيات بالنسبة لتومبسون سوف يخفف من حدتها زعمه الذي قدمه للجامعة بأنه يعاني من حالة مرضية تحول دون أن يدرك الحدود الشخصية بينه وبين الآخرين.

على مدى سلسلة مقاطع صوتية من ستة أجزاء، يكشف تحقيقنا  "تحرش في حرم الجامعة" أكاديميين اثنين آخرين يُزعم أنهما مارسا الاستمالة والتلاعب والإساءات المتكررة للنساء اللواتي درسن عندهما أو عملوا معهما. إلا أن هذه تخص فقط عدداً قليلاً من أسماء الأساتذة المفترسين الذين ذكروا خلال عامين من التحقيق.

تقول أنَا بول من مجموعة 1752 إن الكثير من الأساتذة يتخطون الحدود الشخصية مع طلابهم لأن تراتيب السلطة والنفوذ تتيح لهم ذلك. وتضيف: "تتميز المؤسسات الأكاديمية بتراتيب السلطة والنفوذ التي تمنحك وضعاً داخل المؤسسات. نعلم من البحث الأشمل أن اختلالات التوازن في السلطة والتباينات الهيكلية تخلق بيئة مواتية لحدوث الإساءات والعنف الجنسي."

كثير من المقابلات التي أجريت كجزء من تحقيقنا حصلت خلال الأسبوع الذي تلا اغتصاب ومقتل سارة إيفرارد من قبل وأين كازينز، ضابط الشرطة في لندن الذي منحته وظيفته سلطاناً فوق الآخرين، في مارس (آذار) من عام 2021. قالت إحدى النساء اللواتي أجريت معهن المقابلات: "كان الأسبوع الماضي غاية في القسوة بالنسبة لنا. فقد استحضر كل مشاعر السخط التي كانت في داخلي، فقذفت بي إلى السطح من جديد."

وقالت سيدة أخرى في مقابلة معها: "من المخيف أن تفكر بأن ما نخشاه نحن معشر النساء ليس فقط داخل الشارع المظلم، على طرف الطريق. لم يكن كما تعلم وقتاً متأخراً من الليل. فمحاضرونا والمشرفون علينا هم من نعتبرهم نماذج نقتدي بها. وهذا أمر مرعب بالفعل."

قالت لنا كلية باليول إنهم يأخذون على محمل الجد أي مزاعم باقتراف اعتداءات جنسية ويقومون بالتحقيق فيها ضمن إطار السياسة الخاصة بهم.

قالت جامعة أكسفورد إنهم لا يستطيعون التعليق على الحالات الفردية ولكنهم يأخذون جميع المزاعم بوقوع تحرش جنسي على محمل الجد. وقالوا إنه في الحالات التي تقبل فيها الشكاوى فإنهم يتخذون إجراءات تأديبية حيثما يكون ذلك مواتياً وخطوات لضمان سلامة وصحة العاملين والطلاب على حد سواء.

رد البروفيسور أورتشارد على الجزيرة بخطاب قانوني من خمس صفحات ولكنه قال إنه لا يمكننا تدوال أجوبته، ومع ذلك فهو ينفي صحة جميع ما خلصنا إليه من نتائج.

وقالت جامعة غلاسكو إن أي شكل من أشكال التحرش غير مقبول، وأنها تقوم الآن بتوفير تدريب لمدراءها لكي يتعاملوا مع حالات سوء السلوك الجنسي. وقالت إن أي مزاعم يتم التحقيق فيها بشكل كامل وتتخذ بحقها الإجراءات التأديبية حسبما تقضى لوائح الجامعة.

وقال لنا زاهد خان، طالب الدكتوراه في جامعة غلاسكو إنه تم الإيقاع به وأن المزاعم ضده كانت تعسفية ولا أصل لها وهي باطلة، وأننا إذ نشرناها فإننا نتحمل تبعات ذلك.

ورداً على تحقيقنا، قالت جامعة تورنتو إن الجزيرة أثارت قضايا خطيرة تحتاج إلى معالجة وإنها تقوم بمراجعة سياستها المتعلقة بالعنف الجنسي.