صعود وهبوط صانع الأوليجارك

مقال طويل

صعود وهبوط صانع الأوليجارك

كيف تمكن ممول غامض من الجلوس على أعلى موائد الإوليجاركيين وأصحاب النفوذ.

17 أغسطس 2021 | 25 دقيقة قراءة


بقلم إيدريان غاتان

كان نجاحه مبهراً – له سجل مهني طويل في إدارة واحدة من أكبر شركات الائتمان في العالم وجني الملايين من الأولجاركيين الروس.  وحتى عندما توفي زبائنه في ظروف غامضة الواحد تلو الآخر تمكن من البقاء في الظل وعلى رأس اللعبة.

إلى أن صوره سراً مراسلون متخفون من وحدة تحقيقات الجزيرة وهو يوافق على بيع نادي كرة قدم إنجليزي لمجرم صيني مدان منتهكاً بذلك القواعد التي تنظم كرة القدم.

من كان ذلك الرجل؟ وما مدى عمق علاقاته ومعارفه التجارية؟

مروحية تهبط من السماء

في السابعة وواحد وأربعين دقيقة من أمسية ربيعية في عام 2004 سقطت مروحية من طراز أوغستا 109 إي في حقل في ريف دورسيت جنوب إنجلترا، طنان من الحديد والأسلاك والوقود انفجرا في كرة من النيران.

فزع نيك كينشينغتون من الضجيج الذي أحدثته مروحتها فوق منزله وخشي أن تنتزع المروحية سقفه. 

فيما بعد قال كينشينغتون: "حلقت المروحية على ارتفاع منخفض جداً حتى غطى ضجيجها على صوت التلفزيون." نهض هو وزوجته وفتحا الستائر. وأضاف: "ثم رأيت وميضاً برق أبيض في السماء. وبعد ثانية سمعت صوت انفجار. كان بإمكانك رؤية ألسنة اللهب في كل أنحاء الحقل الذي دوننا."

لقي الطيار والراكب الوحيد معه – واسمه ستيفن كيرتيس – حتفهما في النيران بعد أن سقطت المروحية وارتطمت في الحقل، وذلك بحسب ما صرح به محققو الحوادث الجوية.

كان كيرتيس قد تلقى تهديدات في الأسابيع التي سبقت الحادث، حيث أخبره محققون خاصون بأن هواتفه مراقبة، ووجد حراسه الشخصيون جهاز تنصت داخل منزله، حسبما ورد في التقارير. ترك أحدهم رسالة على هاتفه يقول فيها: "كيرتيس، أين أنت؟ نحن هنا. نحن وراءك، نتابعك ونرصدك."

كان محامياً إنجليزياً غامضاً لديه وظيفة مرموقة في إدارة ميناتيب، الشركة التي تتحكم بأكبر مؤسسة نفط روسية اسمها يوكوس.

كانت يوكوس في خلاف مع الحكومة الروسية بدعوى عدم سداد ضرائب مستحقة. ولكن الأمر كان أكثر من مجرد ذلك. كان يتعلق بتهديد سياسي يشكله رئيس مؤسسة يوكوس الإوليغارك ميخائيل خودوركوفسكي على فلاديمير بوتين، عميل المخابرات الذي أصبح رئيساً. إنها معركة إرادات بين خصوم متنفذين.

في تحول مثير لم تظهر أخباره إلا بعد أسابيع من موته، تواصل كيرتيس مع الوكالة الوطنية للاستخبارات الجنائية – وكالة الارتباط الاستخباراتي في الشرطة البريطانية – وعرض عليهم أن يكون مخبراً لهم. وقبل أيام من انطلاق رحلته المميتة من أحد منصات المروحيات في لندن، كان قد التقى بعميل من الوكالة. وفي صبيحة اليوم التالي لموته، داهمت الشرطة السويسرية مكاتب تابعة لمؤسسة يوكوس داخل البلد وصدر أمر بتجميد ممتلكات بقيمة خمسة مليارات دولار.

في تصريح للقناة الرابعة في عام 2004 قال روبرت أمستردام، محامي المساهمين في مؤسسة يوكوس: "جاء ذلك في توقيت هو الأسوأ بالنسبة للشركة."

كان كيرتيس يفهم بنى الأوفشور التفصيلية لمؤسسة يوكوس ويقال إنه كان يحتفظ بالكثير من المعلومات في رأسه بينما سعت يوكوس لأن تكون متقدمة خطوة عن الحكومة الروسية.

من ذا الذي لديه الاستعداد لإدارة امبراطورية يوكوس النفطية المحاصرة؟ كان خودوركوفسكي قد ألقي القبض عليه تحت تهديد السلاح وألقي به في السجن قبل ذلك بشهور قليلة، والآن سقط كيرتيس من السماء إلى حتفه. في هذا الفراغ، تقدم شخص واحد خرج لتوه من الظل ليعرض نفسه بديلاً لكيرتيس.

كانت تلك خطوة طموحة وتنطوي على مجازفة في المناخ المريب والمحفوف بالمخاطر حينذاك، ولكن الرجل الإنجليزي الأنيق تقدم ليتبرع بخدماته.

خارج عالم المال، قلة هم من سمعوا باسم كريستوفر صموئيلسون، الذي نال وصف "القائم بإدارة الشركة"، "المؤتمن على العهدة"، "مدير الائتمان"، وكذلك "مدير المال"، "رجل الأعمال" و "الممول".

ولكن لمعرفة ما الذي كان يجيده حقاً صموئيلسون فأنت بحاجة لإضافة مفردة "أوفشور" إلى كل هذه الألقاب. كلمة أوفشور هي اختزال لما يعرف بالملاذات الضريبية السرية حيث تودع مليارات الدولارات، سواء كانت مشروعة أو غير ذلك، في البنوك في منأى عن محصل الضرائب والدائنين والأزواج.

يقول مصدر كان يقوم بإنجاز بعض الأعمال لصالح صموئيلسون: "إنه رجل لطيف جداً وساحر، لا شك في ذلك. يخالط أكثر الناس ثراء في المعمورة، وبعضهم ليسوا طيبين."

من مقراته في بيرمودا وجنيف وجبل طارق، يدير صموئيلسون فالميت، واحدة من أكبر شركات الائتمان الأوفشور في العالم، ولم يزل منذ أواخر ثمانينيات القرن العشرين يركز جهوده في رعاية مورد ثراء مكتشف حديثاً متمثل في الاتحاد السوفياتي سابقاً.

معارفه في دائرة كبار الأثرياء في العالم سرعان ما شملت "عراب الكريملين" بوريس بيريزوفسكي، وشريك بيريزوفسكي الأوليغارك الجورجي صاحب الشارب الأبيض أركادي باتاركاتسيشفيلي (الشهير باسم بادري)، وتاجر النفط الكبير ميخائيل خودوركوفسكي، والمصرفي فيتالي مالكين، أحد كبار الأوليجاركيين من عهد ييلتسين، ومالك نادي تشيلزي رومان أبراموفيتش، وبوريس زينغاريفتش، تاجر الورق والملياردير.

يقول أحد معارفه السابقين: "لقد كان لديه دالة على تشكيلة لا تخطر بالبال من الناس، بعض أكثر الناس ثراء ونفوذاً في العالم."

صموئيلسون وفالميت، ما عرف فيما بعد باسم ميوتشوال تراست مانيجمينت (إم تي إم)، أسسوا وأداروا شركات ائتمان أوفشور وحسابات بنكية لمجموعة من الإوليجاركيين ومصالحهم التجارية. يقول النقاد إن المال كان يسحب من داخل روسيا، وأنه مثل هروباً لرأس الأموال كبد المالية الروسية المليارات وتطفل على الدولة، إلا أن فالميت تقول إن الترتيبات كانت كلها على المكشوف.

في لقاءات تمت بين صموئيلسون ومراسلين متخفين من وحدة تحقيقات الجزيرة يبحثون عن "شراء" نادي كرة قدم لصالح ثري صيني وهمي، توسع مدير المال في الحديث عن أعماله وتعاملاته مع روسيا.

في تسجيلات سرية للقاءات جرت في قاعات بعض أفخر الفنادق في لندن، تحدث صموئيلسون الذي ظهر بمنتهى الأناقة ليس فقط عن كرة القدم وعن البيع موضع النقاش، ولكن أيضاً عن علاقاته التي امتدت لعقود مع روسيا.

تحدث عن السفر إلى موسكو أكثر من خمسمائة مرة، وكيف أنه يعرف حتى فلاديمير بوتين. لم يشرح مدى معرفته به ولكن الرسائل الإلكترونية لصموئيلسون، والتي اطلعت عليها وحدة التحقيقات وتم الكشف عنها أثناء إجراءات المقاضاة، يبدو منها أنه كان قادراً على عقد لقاءات داخل محمية في الكريملين يصعب في العادة الوصول إليها.

إلا أن علاقاته مع روسيا جذبت انتباه المحققين الذين تريبوا في أنه يتزعم مجموعة ضالعة في غسيل الأموال وفي الممارسات الفاسدة، تسلطت عليها أضواء المحققين في مختلف أرجاء أوروبا.

بينما كانت مروحية ستيفن كيرتيس تهوي عبر الغيوم والرذاذ للتحطم فوق مراعي دورسيت كان كريستوفر صموئيلسون يتنقل من جزيرة إلى أخرى في أرجاء ملاذات الكاريبي الضريبية، يمارس عمله ما بين أنتيغوا وجزر فيرجن البريطانية. كان قد تكلم مع كيرتيس قبل ذلك بيومين فقط، وكانت تلك واحدة من محادثات عديدة أجراها خلال الشهور التي سبقت الحادثة.

مع الأزمة التي نشبت بسبب موت صديقه المفاجئ انتقل الحدث الآن إلي لندن على بعد آلاف الأميال. سرعان ما حل صموئيلسون بالمدينة حاملاً معه خطة عمل، وهو الذي وصفه أحد معارفه السابقين بأنه مدمن على العمل مسكون به لا يسأم حتى من السعي وراء الفرص الزائفة.

وكان أنطون دريل، المحامي الشخصي لخودوركوفسكي، قد تولى إدارة الأمور في تلك المرحلة الطارئة، فكتب صموئيلسون رسالة يعتقد بأنه تم إيصالها باليد عبر وسيط موثوق إلى السيد دريل.

في رسالته إلى أنطون دريل، سعى مدير المال لأن يعين بديلاً لكيرتيس كرئيس لشركة ميناتيب.

كتب صموئيلسون لدريل يقول له: "كان ستيفن صديقاً مقرباً، ولقد وجهت وفاة ستيفن المأساوية ضربة إضافية لأعمال زبوننا المشترك وتركت فراغاً هائلاً. ولقد اقترح علي ... أنه سيكون خياراً مثالياً أن أقوم ولو جزئياً بأداء دور ستيفن، وأنا على استعداد للمساعدة بهذا الشأن." ومضى يقول: "لربما كنت الأقرب لستيفن، وفي الحقيقة لطالما ناقشنا فيما بيننا الاستراتيجية وما إلى ذلك."

ومن بين مقترحاته، كما قال صموئيلسون، أن بإمكانه الاتصال بالناس في هيوستن، تكساس، ممن لديهم نفوذ في البيت الأبيض، حينما كان ساكنه هو الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش، حتى يمدوا يد العون ليوكوس. كما ذكر بعض معارفه – من خلال محام بارز في جبل طارق يعرفه منذ فترة طويلة – بإمكانه أن يتواصل مع آرييل شارون، الذي كان حينها رئيساً لوزراء إسرائيل، للمساعدة.

مضى صموئيلسون ليخبر دريل بأنه في الخريف الماضي "اكتشف موقع الأموال السائلة للشركة القابضة" وذلك خلال اجتماع مع فريق ميناتيب في لندن وأصر "بشكل صارخ جداً بأنه يتوجب نقل تلك الأموال في الحال" بسبب الخطر المحدق بها بسبب أمر حتمي قد يصدر من قبل الروس بتجميدها.

ضمن ممارسته للعبة القط والفأر بين يوكوس والمحققين الروس، أخبر صموئيلسون المحامي الروسي بأنه "لديه مصادر داخلية في كافة الأنحاء" وأنه "يقوم كل يوم عن قرب برصد التصرفات والمتطلبات القادمة من موسكو."

وقال: "أنا المعلم من حيث أين توضع الأموال السائلة بأمان (وكيف تتم هيكلة هذه الأمور)."

كانت زيارة دريل القصيرة إلى لندن في الشهر الذي تلا وفاة كيرتيس دوامة من اللقاءات مع المحامين ومسؤولي الشركة والعاملين في الضغط السياسي. ومع ذلك، وطبقاً للوثائق التي اطلعت عليها وحدة التحقيقات، وجد دريل من الوقت ما يكفي لترتيب لقاء مع صموئيلسون في الثامن والعشرين من إبريل / نيسان. غير معروف ما الذي حصل بشأن عرض صموئيلسون الارتقاء في خضم الفوضى كما لا يعرف ما الذي آلت إليه خططه لحل بعض التحديات التي تواجه يوكوس.

زعيم صموئيلسون فيما بعد في حديثه مع المراسلين المتخفين من وحدة التحقيقات بأنه حذر خودوركوفسكي من خطر الاعتقال بسبب شجاره مع بوتين.

وقال: "قلت لها إن ذلك سيحصل، ولكنه لم يرغب في الإنصات. لم يرغب الروس في إلقاء القبض عليه. أرادوا منه المغادرة ولكنه قرر البقاء. ولذلك ألقوا القبض عليه ثم أدانوه بشيء لم يقترفه يداه بتاتاً. قالوا إن ذلك كان تهرباً ضريبياً. كلام فارغ، كان هو بالذات الشخص الذي التزم بدفع كل ما عليه من ضرائب."

حوكم خودوركوفسكي وأدخل السجن. وبذلك استولت الدولة الروسية فعلياً على يوكوس في مداهمة لم تعبأ بالتستر عليها.

إذن، كيف علم صموئيلسون بكل ذلك؟ وكيف تسنى له أن يجلس في موقع متصدر على رأس طاولة الأوليجاركيين وأصحاب النفوذ؟ حينما تسمعه يسرد حكايته في المقابلات التي سجلتها معه وحدة التحقيقات فإنك تسمع ما يشبه المايسترو على رأس عمله.

يقول شريكه السابق في العمل: "إنه رجل يتواجد في الظل. فهو يتحاشى الظهور والبروز، ولعل هذا أحد أسباب نجاحه. يمارس ألعاباً مع الشركات، شركات أوفشور غامضة ومعقدة ... ولا يمكنك في الواقع معرفة من هم المدراء فيها. وتلك هي الغاية. لأن ما يعمل على حمايته هو مصدر المال."

في عام 1988، دلف شخص إلى مكتب شركة فالميت في باريس. كان ذلك رجل أعمال روسي جاء ليسأل شريك صموئيلسون في الشركة عما إذا كانوا مهتمين بتمويل جولة لأحد سيركات موسكو في الغرب، وذلك طبقاً لما ذكرته كاثرين بيلتون، المؤلفة والخبيرة المرموقة في الشأن الروسي في تقرير نشر في عام 2005 حول دور شركة فالميت في روسيا.

حينها ظن مدير مكتب باريس أن تلك لابد أنها كانت دعابة، ولكنها كانت بداية دخول فالميت إلى الاتحاد السوفياتي. فيما بعد اتصل ذلك الرجل هاتفياً ليقول إن مجموعة من الشباب في موسكو يسعون لإنشاء مصرف، وأنه يرغب في تعريف فالميت عليهم.

بعد ثلاث سنوات، في عام 1991، انهار الاتحاد السوفياتي، وسادت حالة من الفوضى العارمة وانطلقت أكبر عملية استيلاء على الأملاك في التاريخ. بحلول ذلك الوقت كانت فالميت قد انضمت إلى مصرف ريغز، أحد البنوك اللامعة في الولايات المتحدة، للبحث عن فرص في الكتلة السوفياتية السابقة. وأثناء ما الرأسماليون الآخرون يبحثون بكل الطرق عمن يتصلون به ويدخلون معه في شراكة، كان لدى فالميت زبون تمثل في ميخائيل خودوركوفسكي وشركاه وكانت قد عملت منذ أكثر من عامين مع هذ الشخص ذي القميص الفانيلا والذي سيصبح أوليجاركياً في المستقبل.

وفي عام 1991، قال بلاتون ليبيديف، المدير المالي لشركة ميناتيب، في حديث مع صحفي من مجلة كريستيان سيانس مونيتور، إن ريغز (ويقصد ريغز وفالميت) كانوا "من علمنا".

عن صموئيلسون وشركاه في فالميت، قال الشريك في ميناتيب ميخائيل برادنو لكاثرين بيلتون التي كانت حينذاك تقيم في موسكو: "لقد علمونا الكثير جداً. علمونا مبادئ تنظيم الأعمال: من الجانب المالي ومن الجانب التجاري. لم نكن نعرف شيئاً. إلى أن التقينا بهم لم نكن نتصور كيف تتم هذه الإجراءات في عالم الأعمال." كان ذلك مدخلاً مناسباً وفرصة جيدة بالنسبة لريغز وفالميت: لم يلبث مؤسسو ميناتيب أن غدوا من أصحاب المليارات وأفضى ذلك إلى شرائهم لشركة يوكوس.

لم يكونوا وحدهم زبائن صموئيلسون في روسيا.

زعم صموئيلسون في حديثه مع المراسلين المتخفين من وحدة تحقيقات الجزيرة أنه ساعد الأوليغارك رومان أبراموفيتش، مالك نادي تشيلسي لكرة القدم، في الحصول على نقطة انطلاقه إلى عالم الأعمال، وقال: "لقد قابلت رومان أبراموفيتش ف موسكو عندما كان المليون دولار مبلغاً ضخماً جداً ... أصبح رومان زبوناً." إلا أن أبراموفيتش نفى أن تكون له علاقة خاصة مع صموئيلسون.

بل وورد ذكر زبائن أكبر وأكثر إثارة للجدل. في عام 2000، أخبر صموئيلسون زملاءه فيما بدا ملاحظة لاهثة: "زبائننا الجدد هم بوريس بيريزوفسكي وآركادي باتركاتسشيفيلي ...." كلاهما أوليجاركيان وشريكان مقربان سرعان ما وجدا نفسيهما في خلاف وصدام مع ما أطلق عليه صموئيلسون عبارة "تغير النظام" في عهد الرئيس بوتين، الذي حل محل بوريس يلتسين. 

وأضاف إن رجلي الأعمال كانا يملكان رابع أكبر شركة نفط وثلثي مصاهر الألمنيوم في روسيا. وقال إنهما "يملكان نفوذاً سياسياً كبيراً ... لا يمكنني رؤية سبب يجعلني أرفض قبول بوريس بيريزوفسكي وآركادي باتركاتسشيفيلي كزبائن."

حامت شكوك حول بدري، المشهور في العالم السفلي باسم "بدر" كما يزعمون، وارتاب به مسؤولون حكوميون واختصاصيون في مجال الحرص الواجب وخبراء، بأنه مقرب من الجريمة المنظمة، وخاصة في جورجيا حيث ارتبط بمن يطلق عليه اسم "السارق بالقانون" (وهو جنائي روسي كبير). أصبح بدري زبوناً لدى صموئيلسون، وغدا صموئيلسون المفوض الشخصي للأوليجاركي في ائتمان الأوفشور الرئيسي المملوك له، وهو ائتمان قابض على ممتلكات بالملايين، فيما اعتبر انعكاساً لثقة بدري في صموئيلسون.

تحرك صموئيلسون داخل مركب كيانات الأوفشور التي اقترح إقامتها للرجلين. وقال: "الموجودات الأخرى التي سيتوجب توفيرها تشتمل على سيارات وطائرات (بتكلفة 70 مليون دولار) وقوارب (اثنين قيمتهما الحالية حوالي 40 مليون دولار) وملكية في مشاريع أعمال أخرى، وعقارات، واعتمادات ...."

كانت رسوم الإنشاء للسنة الأولى كما قال 1.6 مليون دولار. كانت أمور فالميت جيدة، وكذا كانت أوضاع صموئيلسون. في نفس تلك السنة، 2000، كان راتب صموئيلسون لوحده يقترب من 300 ألف دولار، بحسب ما ورد في مراجعة داخلية للشركة. 

إلا أن قربه من الأوليجاركيين وتعاملاته المالية، كل ذلك جذب انتباه الضباط في وكالة تتكون من نخبة من عناصر الشرطة، فراحوا يركزون بشكل متزايد على نشاطات صموئيلسون إضافة إلى حادث تحطم طائرة المروحية الذي أودى بحياة ستيفين كيرتيس.

في شهر أغسطس / آب من عام 2005، بعد مرور سنة على وفاة كيرتيس، داهمت وكالة أمن هولندية تناط بها قضايا الشؤون المالية مكتب شركة صموئيلسون الهولنية واسمها ميوتشوال تراست – والتي خلفت فالميت – وحملوا معهم صناديق من الوثائق. اشتكى أحد مستشاري بوريس بيريزوفسكي من أنه بينما ثبت أن صموئيلسون كان يتقاضى أجوراً مرتفعة جداً مقابل تأسيس كيانات الأوفشور التي من المفروض أن تحول دول تمكن المحققين من الوصول إلى أصولها، إلا أنه، ومن سخريات القدر، احتفظ بجميع الوثائق الخاصة بها في مكان واحد لم تلبث السلطات أن داهمته واستولت عليها جميعاً، مما كشف السرية التي كان من المفروض أن تحافظ عليها تلك الكيانات التي أنشئت خصيصاً لتلك الغاية.

قام عملاء من وكالة التحقيقات والاستخبارات المالية بالذات بتعقب صموئيلسون في تحقيق استمر لسنوات، وذلك بعد الإمساك بأطراف خيوط الشبكة التي نسجها مدير الاعتماد. فيما بعد، وفي خطاب أرسل في عام 2008 إلى محقق مالي في لندن – واطلعت عليه وحدة تحقيقات الجزيرة – سأل عملاء وكالة التحقيقات والاستخبارات المالية: "هل هناك أي ملاحظات كتبها كيرتيس ... تشير إلى المعلومات التي ربما يكون قد زود بها وكالة التحقيقات الجنائية البحرية، وبشكل خاص فيما يتعلق بصموئيلسون؟" أراد العملاء الهولنديون معرفة ما إذا كان كيرتيس قد كشف للشرطة أياً من الأسرار المتعلقة بصديقه صموئيلسون أو المتعلقة بشركاته أو زبائنه من الأوليجاركيين.

بحلول عام 2005 كان صموئيلسون – الرجل الذي كانت لديه مصادر داخلية في كل المواقع – يدرك بأن التحريين الهولنديين يحققون بشأنه وشأن شركته: وذلك بحسب ما ورد في وثيقة قانونية سرية صدرت سابقاً عن وكالة التحقيقات والاستخبارات المالية ووكالة التحقيقات الاقتصادية، كتبت في عام 2005 وحصلت عليها وحدة تحقيقات الجزيرة، حيث أنهم ارتابوا في أن صموئيلسون كان الزعيم الفعلي لمنظمة دولية ضالعة في غسيل الأموال وفي الفساد.

انطلقت ومضات الإنذار حينما بدأ المحققون يتحركون في أرجاء أوروبا. ولقد اطلعت وحدة تحقيقات الجزيرة على رسائل إلكترونية ساخنة بعث بها صموئيلسون إلى أحد زملائه في أواخر عام 2006، يتحدث فيها عن المخاطر المحدقة قائلاً: "أنت وأنا بتنا موضع شك في أننا ضالعان في غسيل الأموال نيابة عن أركادي باتركاتسيشفيلي."

وقال صموئيلسون: "لديك الآن تحقيقات يجريها الهولنديون والإسبان والألمان والفرنسيون." وأضاف شاكياً من ارتفاع التكاليف والتوتر والفواتير المستحقة غير المدفوعة: " أركادي باتركاتسيشفيلي وبوريس بيريزوفسكي كلاهما مستهدفان من قبل المحققين في هولندا وفرنسا، وهي تحقيقات جارية وقد حصل المحققون على مساعدة من الألمان والإسبان."

خشي صموئيلسون من أن يثير ذلك اهتمام الولايات المتحدة وبريطانيا فذكر في رسائل الإيميل التي وجهها لنفس الزميل "التحقيقات التي يجريها الهولنديون وتبعاً لهم السويسريون"، ويقصد بذلك عملاء وكالة التحقيقات والاستخبارات المالية الذين طلبوا من نظرائهم السويسريين مداهمة مكتب صموئيلسون السويسري ومصادرة الوثائق والتحقيق معه.

وفي لمحة داخل عالم صموئيلسون المتقوقع عادة، أضاف إن بعضاً من زبائنه الآخرين كانوا غاضبين لأنه لم يتمكن من إتمام بعض المعاملات، فقد استولى المحققون الهولنديون "على جميع ملفاتنا" ولم يعيدوا منها شيئاً. وهنا أكد صموئيلسون على المخاطر قائلاً: "تؤكد قضية الهولنديين مخاطر أن يكون لدى المرء زبائن لديهم انكشاف سياسي ولهذا السبب فإننا نطلب رسوماً اعتمادية مناسبة."

بسبب قوانين السرية الهولندية لم يكشف النقاب عن كثير من تفاصيل هذا التحقيق، فيما عدا بعض الإشارات العابرة في الصحافة المحلية المتعلقة ببعض القضايا الأخرى. إلا أن صموئيلسون ادعى أن المدعي الهولندي أسقط القضية وكذلك "جميع المزاعم ضد شركة ميوتشوال تراست الهولندية وضد مدرائها بما فيهم أنا." وقال في مذكرة اطلعت عليها وحدة تحقيقات الجزيرة إن لديه خطاباً من محاميه، سيموندز أند سيموندز، يؤكدون فيها أن القضية تم إسقاطها.

تمكن صموئيلسون، ائتمان تيفلون، من الإفلات من السلطات الهولندية ولكن أصدقاءه ومعارفه وزبائنه الذين يعملون من داخل ومن خارج روسيا لم يحالفهم الحظ.

هناك أولاً صديقه وشريكه في الأعمال ستيفين كيرتيس الذي توفي في حادث تحطم المروحية الذي مازالت الشبهات تحوم حوله. خلص تحقيق رسمي إلى أن ذلك كان مجرد حادث. ولم يخلص تقرير لوزارة الداخلية البريطانية إلى أن ثمة ما يثير الريبة في الأمر. إلا أن بوريس بيريزوفسكي ظل متشككاً، وكذلك كان حال الكثيرون أيضاً.

ثم هناك خودوركوفسكي – الزبون السابق لصموئيلسون الذي يُزعم إنه حُذر وطلب منه مغادرة روسيا – الذي قضى عشر سنين محبوساً في سجن سيبيري. خرج الآن ويعيش في أوروبا، وهو ناقد صارخ لبوتين.

وفي عام 2006، تعرض زبون آخر هو المستشار الأمني لبيريزوفسكي، واسمه أليكسندر ليتيفنكو، للقتل في لندن باستخدام البولونيوم.

ثم في عام 2008، توفي باتاركاتسيشفيلي في منزله بمقاطعة صاري. أثيرت تساؤلات حول وفاته – والتي فتحت الباب على صراع حول ثروته.

ثم في عام 2013، وجد بيريزوفسكي مشنوقاً في منزله. وخلص تقرير الطبيب الشرعي إلى أن القضية غير محسومة، حيث أنه لم يتمكن من إثبات ما إذا كان هذا الأوليجاركي قد مات انتحاراً أو قتلاً.

وفي عام 2018 وجد أحد معارف بيريزوفسكي، واسمه نيكولاي غلوشكوف، مخنوقاً في بيته.

إنها لمصادفات مرعبة، ولو كانت هناك "حلقة موت" روسية – يمكن تقفي آثار ما فيها من اغتيالات ووفيات مريبة إلى موسكو – لما كان صموئيلسون بعيداً عنها.

إلا أن صموئيلسون مازال يبرم الصفقات، ومن ذلك عملية استخلاص حطام سفينة كانت محملة بالذهب على مقربة من شاطئ إيرلندا، والقيام باستثمارات في أفريقيا، والاحتكاك بكبار المسؤولين في مختلف البلدان – ومتابعة عشقه لكرة القدم، من خلال مساعدة الأثرياء الأجانب على شراء أندية كرة القدم الإنجليزية.

حاولت عائلة زينغارفيتش، وهم من زبائنه القدماء في روسيا، شراء نادي إيفرتون لكرة القدم في عام 2004 إلا أن الصفقة أخفقت بعد أن سربت هوية عائلة زينغارفيتش إلى واحدة من صحف يوم الأحد. وفي عام 2012، اشترت العائلة نادي ريدينغ في صفقة شملت تعيين صموئيلسون عضواً في مجلس إدارة النادي.

وانسجاماً مع متغيرات الزمن، تحول صموئيلسون نحو منبع آخر لأصحاب المليارات: الصين.

بادئ ذي بدء ساعد رجل الأعمال الصيني الملياردير طوني جيا على شراء نادي آستون فيلا الإنجليزي لكرة القدم في 2015.

ثم جاء بيلي لي – زبون عابر آخر – ومعه مساعدته آنجي اللطيفة والتي يمكن الاعتماد عليها. ويبدأ السيرك دورته من جديد. إلا أن الفرق هذه المرة أنهما مراسلان متخفيان لوحدة تحقيقات الجزيرة.

في تصريح لوحدة تحقيقات الجزيرة، قال محامو كريستوفر صموئيلسون إنه رجل أعمال مخضرم بنى سمعته من خلال العمل في الائتمانات المالية وقطاع كرة القدم وما كان ليدخل في أي صفقة تنضوي على عمل إجرامي. وقالوا إن صموئيلسون لم يخبر إطلاقاً بأن مستثمرنا الصيني الوهمي لديه سجل جنائي بتهم تتعلق بغسيل الأموال والرشوة، وقالوا إنه لو علم شيئاً عن سجله الإجرامي وعن ضلوعه في غسيل الأموال لأنهى النقاش بشأنه مباشرة.

نفى متحدث باسم ميخائيل خودوركوفسكي أن يكون صموئيلسون قد قدم له أي استشارات وقال إنه "من المحتمل جداً" أنه لم يقابل صموئيلسون البتة.

وصف محامو رومان أبراموفيتش مزاعم صموئيلسون حوله بأنها "باطلة" ونفوا أن تكون له أي علاقات عمل مع صموئيلسون.