قبرص تلغي برنامج الجنسية من خلال الاستثمار

حصري

قبرص تلغي برنامج الجنسية من خلال الاستثمار

جاء هذا الإجراء بعد أن كشف تحقيق للجزيرة أن بعض السياسيين لديهم الاستعداد لمساعدة المجرمين على الحصول على جوازات سفر.

13 أكتوبر 2020


قالت قبرص إنها سوف تلغي برنامج جوازات السفر المثير للجدل بعد تحقيق أجرته الجزيرة وكشفت فيه كيف أن بعض كبار السياسيين على استعداد لإصدار جوازات سفر لمجرمين مدانين.

وقالت وزارتا الداخلية والمالية في بيان نشر باليونانية عبر تويتر إن برنامج الجنسية مقابل الاستثمار في شكله الحالي سوف يلغى ابتداء من الأول من نوفمبر / تشرين الثاني.

وجاء في البيان: "ينطلق المقترح من كون البرنامج يعاني منذ فترة طويلة من ضعف وكذلك من كون بنوده تستغل استغلالاً سيئاً."

بالإضافة إلى ذلك قال مدعي عام قبرص جورج سافيديس إنه سيتم إجراء تحقيق في احتمال ارتكاب مخالفات جنائية.

وقال في بيان صادر عنه: "ما نشر خلال الساعات القليلة الأخيرة من قبل شبكة أخبار الجزيرة أحدث موجة من السخط وأثار غضب وقلق الناس."

وكانت وحدة تحقيقات الجزيرة قد أطلقت يوم الاثنين فيلما وثائقياً بعنوان "أوراق قبرص، التحقيق السري"، والذي أظهرت فيه استعداد رئيس البرلمان ديمتريس سيلوريس وعضو البرلمان كريستاكيس جوفانيس (الشهير داخل قبرص باسم جوفاني) لمساعدة المجرمين المدانين وتمكنيهم من الحصول على جوازات سفر ضمن برنامج الجنسية مقابل الاستثمار.

قبل ذلك بأسابيع، نشرت الجزيرة ما يعرف باسم "أوراق قبرص" وهي عبارة عن مجموعة من الوثائق يصل عددها إلى 1400، تكشف عن أن قبرص منحت جوازات سفر لمجرمين مدانين في أوطانهم الأصلية وكذلك لأشخاص كانوا في الأعوام السابقة مطلوبين من قبل الإنتربول (البوليس الدولي).

بعد الإعلان الذي أصدرته حكومة قبرص يوم الثلاثاء، قال سيلوريس إنه سيمتنع عن القيام بمهام عمله ابتداء من التاسع عشر من أكتوبر / تشرين الأول وإلى أن تكمل الحكومة تحقيقاتها.

سياسيون متورطون

بموجب برنامج جواز السفر كان بإمكان كل من كانت لديه الإمكانيات المادية لأن يستثمر ما لا يقل عن 2.5 مليون دولار في الاقتصاد القبرصي، عادة في قطاع العقارات، أن يحصل على جواز سفر قبرصي.

وكان الاتحاد الأوروبي قد انتقد بشكل منتظم هذا البرنامج كما انتقدته المنظمات غير الحكومية التي تنشط في مجال مكافحة الفساد، والتي طالما حذرت من أن هذا البرنامج يزيد من مخاطر غسيل الأموال من خلال المؤسسات المالية الأوروبية.

انتحل مراسلان متخفيان يعملان لصالح الجزيرة صفة شخصيتين إحداهما باسم بيلي لي والأخرى باسم أنجي، وادعيا أنهما يمثلان رجل أعمال صيني لديه اهتمام بالحصول على جواز سفر قبرصي.

وتقضي الرواية بأن رجل الأعمال الغامض هذا كان قد أدين بجريمة غسيل الأموال، الأمر الذي كان يكفي لإسقاط أهليته بموجب الأحكام القبرصية للتقدم بطلب جواز السفر.

ولكن، كان يقال لهما المرة تلو الأخرى إن الحكم الصادر بحق موكلهما ليس مشكلة طالما أن لديه من المال ما يكفي لأن يستثمر – وكان يقال لهما بأنه كلما تمكن موكلهما من زيادة المبلغ المستثمر فوق الحد الأدنى الذي هو 2.5 مليون دولار كلما كان من الأسهل إيجاد سبل لتفادي القيود المفروضة.

استمع المراسلان المتخفيان لعضو البرلمان كريستاكيس جوفاني، والذي يملك أيضاً واحدة من أكبر شركات تطوير العقارات في قبرص، وهو يقول لهما إنه سيضمن لهما إبرام الصفقة.

قال جوفاني: "ليس الأمر سهلاً، ولكن بإمكاني أن أعد بأنني سأبذل قصارى جهدي. وأعتقد أن لدينا الخبرة."

ذهب رئيس البرلمان ديمتريس سيلوريس إلى أبعد من ذلك حين قال: "بإمكانكم أن تخبروه، دون أن تذكروا اسمي أو اسم أي شخص آخر، أنه سيحصل على دعم كامل من قبرص. على أي مستوى – سياسي، اقتصادي، اجتماعي، وكل شيء – أوكيه."

كرر هذا الكلام عدد من الأشخاص الآخرين، بما في ذلك أحد المحامين الذي قال إنه سيكون من الممكن تغيير الاسم في جواز السفر، بما يعني فعلياً تغيير هوية صاحب الطلب.

جميع من وردت أسماؤهم في التحقيق، بما في ذلك سيلوريس وكريستاكيس  نفوا أن يكونوا قد ارتكبوا أي مخالفات وأشاروا إلى تقرير تم رفعه إلى وحدة مكافحة غسيل الأموال في قبرص.  

كما قالوا إن تعاملهم مع المراسلين المتخفيين إنما كان بهدف جمع المعلومات لدعم التقرير الذي قدم إلى السلطان "دون إنذارهم".

'القيم الأوروبية ليست للبيع'

بعد ما تم الكشف عنه يوم الاثنين قالت المفوضية الأوروبية في بيان صادر عنها إنها شاهدت ما كشفه الفيلم الوثائقي بدهشة بالغة.

وقال بيان المفوضية: "كان رئيس المفوضية فون دير لاين واضحاً عندما قال إن القيم الأوروبية ليس للبيع."

وأضاف: "لطالما عبرت المفوضية عن قلقها بشأن برامج منح الجنسية مقابل الاستثمار، وأثارت الأمر بشكل مباشر مع السلطات القبرصية. وتنظر المفوضية الآن في مدى مراعاة البرنامج القبرصي لقوانين الاتحاد الأوروبي وقد تتخذ إجراءات ضد أي مخالفات ترتكب. لقد اطلعنا على آخر ما أعلنت عنه الحكومة ونتوقع من السلطات القبرصية المعنية التحقيق في هذه القضية بعناية."

في تصريح للجزيرة، قالت عضو الاتحاد الأوروبي من هولندا صوفي فيلد إن الفيلم "يكشف بشكل كامل حقيقة برامج الجنسية مقابل الاستثمار، وأنها في الواقع ما هي سوى عمليات يقصد منها التغطية على جلب المجرمين والأموال المكتسبة بطرق غير مشروعة إلى الاتحاد الأوروبي."

وأضافت: "ولذلك فقد جددنا اليوم دعوتنا إلى المفوضية الأوروبية ليس فقط لكي تتخذ إجراء قانونياً ضد قبرص بل وأيضاً التقدم بمقترح تشريعي لمنع مثل هذه الممارسة منعاً باتاً. وإذا لم يكن في هذا الفيلم من الدليل ما يكفي لإصدار حظر قانوني، فماذا عساه يكون؟"

وقال زميلها سفين جيغولد: "إن من الأهمية بمكان أن يتولى الاتحاد الأوروبي الأمر، وهذا يعني وجود إنهاء برامج الإقامة وبرامج الجنسية."

وأضاف: "ما هو صادم جداً بشأن هذه الصور هو كم بدا الأمر طبيعياً. إذ لم يكن ذلك حدثاً عارضاً، ولكن يبدو أنه وضع هيكلي. وهذا يتطلب إجراء من قبل المفوضية الأوروبية ضد ما يعتبر انتهاكاً للمعاهدة."

أوراق قبرص

وكانت قبرص قد دافعت عن برنامجها بعد نشر تحقيق أوراق قبرص.

ومع إقرارها بأن أخطاء قد ارتكبت في السنوات الأخيرة، إلا أنها قالت إنها بصدد تشديد قوانينها والتدقيق في خلفيات المتقدمين بطلبات إليها وذلك بهدف الحيلولة دون حصول المجرمين على جوازات سفر منها.

إلا أن تدقيقاً داخلياً نشره مكتب التدقيق في البلاد في أواخر سبتمبر أثبت أن البرنامج مازالت تعتريه العديد من نقاط الضعف. ما لا يقل عن ثلاثة وعشرين طلباً تم التعجيل بإنجازها بأمر من وزير الداخلية نفسه، بينما يمكن لأصحاب الطلبات التي تعتريها مشاكل أن يتقدموا للحصول على جوازات سفر بسهولة من خلال طلبات الجنسية التي يتقدم بها أفراد في عائلاتهم.